للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكمًا عامًّا فدلّ على أنه لم يضبطه كما ينبغي، وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني من حديث جابر.

واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة. ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعًا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت.

وروى النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من

أعتق عبدًا وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء". ورواه البيهقي أيضًا من وجه آخر.

٦ - باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَلَا عَتَاقَةَ إِلَاّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ.

(باب) حكم (الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه) أي نحو كلٍّ منهما من الأشياء التي يريد الشخص أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره كان يقول لعبده: أنت حر، أو لامرأته أنت طالق من غير قصد، فقال الحنفية: يلزمه الطلاق، وقال الشافعية: من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع طلاقه لكن لمن تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه، فإذا قال طلّقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك فنصّ الشافعي -رحمه الله- أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه. وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: إن هذا فيما إذا كان الزوج متّهمًا فأما إن ظنت صدقه بأمارة فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه. قال الروياني: وهذا هو الاختيار نعم يقع الطلاق والعتق من الهازل ظاهرًا وباطنًا ولا يدين فيهما.

(ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى) أي لذاته ولجهة رضاه ومراده بذلك إثبات اعتبار النيّة لأنه لا يظهر كونه لوجه الله تعالى إلا مع القصد وفي حديث ابن عباس مرفوعًا كما في الطبراني: لا طلاق إلا لعدّة ولا عتاقة إلا لوجه الله. (وقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

(لكل امرئ ما نوى) الحديث (ولا نيّة للناسي والمخطئ) وهو من أراد الصواب فصار إلى غيره قال الحافظ ابن حجر وللقابسي والخاطئ وهو من تعمد لما لا ينبغي.

٢٥٢٨ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ». [الحديث ٢٥٢٨ - طرفاه في: ٥٢٦٩، ٦٦٦٤].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني (الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف ودال مهملة مخففة (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) هو من ثقات التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(إن الله) عز وجل (تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي ما وسوست به صدورها) جملة في محل نصب على المفعولية وما موصول ووسوست صلته وبه عائد وصدورها بالرفع فاعل وسوست ولأبي ذر صدورها بالنصب على أن وسوست بمعنى حدثت، ونسب هذه في الفتح وغيره لرواية الأصيلي، ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بلفظ ما حدّثت به أنفسها والمعنى ما حدّثت به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي لأصواتها وقيل ما يظهر في القلب من الخواطر إن كانت تدعو إلى الرذائل والمعاصي تسمى وسوسة، فإن كانت تدعو إلى الخصال الرضية والطاعات تسمى إلهامًا ولا تكون الوسوسة إلا مع التردّد والتزلزل من غير أن يطمئن إليه أو يستقر عنده (ما لم تعمل) في العمليات بالجوارح (أو تكلم) في القوليات باللسان على وفق ذلك وأصل تكلم تتكلم بمثناتين حذفت إحداهما تخفيفًا.

ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: ما وسوست لأن الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطّن فكذلك المخطئ والناسي لا توطن لهما، وأما قول ابن العربي: إن المراد بقوله ما لم تكلم الكلام النفسي إذ هو الكلام الأصلي وإن القول الحقيقي هو الموجود بالقلب الموافق للعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>