رفع صفة لابنتان حال كونها (تسأل) عطاء (فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة) واحدة (فأعطيتها إياها) لم تردّها خائبة وهي تجد شيئًا امتثالاً لقوله ﷺ لها: "لا يرجع سائل من عندك ولو بشق تمرة". رواه البزار من حديث أبي هريرة (فقسمتها) السائلة (بين ابنتيها ولم تأكل منها) شيئًا لما جعل الله في قلوب الأمهات من الرحمة، (ثم قامت فخرجت فدخل النبي ﷺ علينا فأخبرته) بسكون الراء بشأن السائلة (فقال):
(من ابتلي) وفي رواية أبي ذر: فقال النبي ﷺ: من ابتلى (من هذه البنات) الإشارة إلى أمثال من ذكر الفاقة أو إلى جنس البنات مطلقًا (بشيء) من أحوالهن أو من أنفسهن وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن (كن له سترًا) لم يقل أستارًا بالجمع لأن المراد الجنس المتناول للقليل والكثير أي حجابًا (من النار) ومناسبة الحديث للترجمة قال ابن المنير وتبعه كثير من الشراح من جهة أم البنتين لأنها لما قسمت التمرة بينهما فقد تصدقت على كل واحدة بشق تمرة. وقال النبي ﷺ في حقها كلامًا عامًّا تندرج فيه حيث قال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار" لكن تعقبه في المصابيح بأن المؤلّف لم ليدخل تحت عهدة الاستدلال بهذا الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة تقي من النار حتى يتكلف له مثل هذا فإنه عقد الباب للأمر باتقاء النار ولو بشق تمرة وللقليل من الصدقة وقد وفى بالأمرين معًا. فحديث ابن معقل فيه اتقاء النار ولو بشق تمرة، وحديث عائشة ﵂ فيه الأصدقة بالشيء القليل. كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارة إلى القليل من الصدقة فأي حاجة بعد ذلك إلى التكلف، وليس في حديث عائشة أنه ﷺ تعرض إلى فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الأخبار بأن الابتلاء بشيء من البنات سبب من الستر من النار على أن ما قاله
محتمل، ويحتمل أيضًا أن يكون حديث عائشة مشوقًا للأمرين معًا لقضية بالقليل وهو ما فعلته عائشة من التصدق بالتمرة ولاتقاء النار ولو بشق تمرة وهو ما فعلته أم البنتين.
وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم، وأخرجه أيضًا الترمذي في البر وقال: حسن صحيح.
١١ - باب أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ وَصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ
لِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المنافقون: ١٠] الآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٥٤] الآيَةَ.
هذا (باب) بالتنوين (أي الصدقة) من الصدقات (أفضل) وأعظم أجرًا (وصدقة الشحيح) صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص (الصحيح) الذي لم يعتره مرض مخوف ينقطع عنده أمله من الحياة (لقوله) تعالى: (﴿وأنفقوا مما رزقناكم﴾) من بعض أموالكم ادخارًا للآخرة (﴿من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾) [المنافقون: ١٠] أي يرى دلائله وفي بعض الأصول إلى خاتمتها بدل قوله الآية. (وقوله) تعالى: (﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم﴾) ما وجب عليكم إنفاقه أو الانفاق في سبيل الخير مطلقًا (﴿من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه﴾) [البقرة: ٢٥٤] أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تحصيل ما فرّطتم إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقون أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى تعينكم عليه أخلاؤكم ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم، فمناسبة الآية للترجمة كما نبه عليه ابن المنير من حيث إن الآية معناها التحذير من التسويف بالانفاق استبعادًا لحلول الأجل واشتغالاً بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية. ووقع في رواية أبي ذر باب: فضل صدقة الشحيح الصحيح فأسقط الجملة الأولى المسوقة بصيغة الاستفهام المؤذن بالتردد ثم إنه في رواية أبي ذر قدم آية البقرة على آية المنافقون فقال لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ﴾ إلى ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤] وَ ﴿أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المنافقون: ١٠].
١٤١٩ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ".
[الحديث ١٤١٩ - طرفه في: ٢٧٤٨].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف