عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي طلبنا غفلته في يمينه الذي حلف لا يحملنا (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلنا له) يا رسول الله وسقط لأبي ذر لفظ له (إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا فقال: إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم والله لا أحلف على يمين) على محلوف يمين (فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة.
قال في المصابيح: الظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحلف على عدم حملانهم مطلقًا لأن مكارم أخلاقه ورأفته ورحمته بالمؤمنين تأبى ذلك، والذي يظهر لي أن قوله: وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيء أحملكم عليه أي: أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما رآه من المصلحة المقتضية لذلك فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنث فيكون قوله: إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها إلى آخره تأسيس قاعدة في الأيمان لا أنه ذكر ذلك لبيان أنه حنث في يمينه وأنه يكفرها اهـ. وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب اليمين فيما لا يملك.
ومطابقة الحديث للترجمة قال الكرماني: من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف في هذه القصة مرتين أوّلاً عند الغضب ومرة عند الرضا ولم يحلف إلا بالله، فدلّ على أن الحلف إنما هو بالله على الحالتين وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعون الله إلى بقية مباحث هذا الحديث في كفارات الأيمان وغيرها.
٥ - باب لَا يُحْلَفُ بِاللَاّتِ وَالْعُزَّى، وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يحلف) بضم أوّله وفتح ثالثه (باللات) بتشديد اللام (والعزى) بضم العين المهملة وتشديد الزاي المفتوحة (ولا يحلف بالطواغيت) بالمثناة الفوقية جمع طاغوت صنم، وقيل شيطان وأصله طغيوت قدمت الياء على الغين فصار طيغوت ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانتاح ما قبلها، والألف واللام في اللات زائدة لازمة فأما قوله إلى لاتها فحذفت للإِضافة، وهي هي والعزى علمان بالوضع أو صفتان غالبتان خلاف ويترتب على ذلك جواز حذف أل وعدمه. فإن قلنا: إنهما ليسا وصفين في الأصل فلا تحذف منهما أل، وإن قلنا إنهما صفتان وأن أل للمح الصفة جاز، وبالتقديرين فأل زائدة. واختلف في تاء اللات فقيل أصل وأصله من لات يليت فألفها عن ياء، وقيل زائدة وهي من لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها أو يلتوون أي يعتكفون عليها، وأصلها لوية فحذفت لامها فألفها على هذا من واو وهو اسم صنم كان لثقيف بالطائف، وقيل بعكاظ والعزى فعلى من العز وهي تأنيث الأعز كالفضلى والأفضل وهو اسم صنم، وقيل شجرة كانت تعبد فبعث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها خالد بن الوليد فقطعها فجعل يضربها بالفأس ويقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
٦٦٥٠ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ بِاللَاّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرَّحمن قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من حلف) بغير الله (فقال في حلفه) بكسر اللام (باللات والعزى) بموحدة في الأولى وواو في الثانية، ولأبي ذر: بواو بدل الموحدة أي في الأولى كيمين المشركين (فليقل لا إله إلا الله) قال في شرح المشارق: لأن الحلف إنما هو بالله فإذا حلف باللات والعزى فقد ساوى الكفار في ذلك فأمر أن يتدارك ذلك بكلمة التوحيد كذا في بعض الشروح، ومقتضاه أنه يكفر بذلك وهو كذلك إن كان حلفه به لكونه معبودًا ويكون الأمر للوجوب وإن كان لغير ذلك كما يقول الرجل وحياتك لأفعلن كذا، فأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما يكون لشبهه بمن يعبدهما وهل يكفر بذلك فيباح دمه وتبين امرأته ويبطل حجه فيه كلام اهـ.
(ومن قال لصاحبه تعال) بفتح اللام (أقامرك) بالجزم جواب الأمر