بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها مزيد لذلك بعون الله تعالى، وليس مراد القائل بأن الاسم عين المسمى أن اللفظ الذي هو الصوت المكيّف بالحروف عين المعنى الذي وضع له اللفظ، إذ لا يقول به عاقل، وإنما مراده أنه قد يطلق اسم الشيء مرادًا به مسماه وهو الكثير الشائع، فإنك إذا قلت الله ربنا ونحو ذلك إنما تعني به الإخبار عن المعنى المدلول عليه باللفظ لا عن نفس اللفظ، وقد قال جماعة إن الاسم الأعظم هو اسم الجلالة الشريفة لأنه الأصل في الأسماء الحسنى لأن سائرها يضاف إليه والرحمن صفة الله تعالى، وعورض بوروده غير تابع لاسم قبله. قال الله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥] {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: ١، ٢] وأجيب بأنه وصف يراد به الثناء، وقيل عطف بيان. وردّه السهيلي بأن اسم الجلالة الشريفة غير مفتقر لبيان لأنه أعرف المعارف كلها، ولذا قالوا وما الرحمن ولم يقولوا وما الله، والرحيم فعيل حوّل من فاعل للمبالغة، والاسمان مشتقان من الرحمة ومعناهما واحد عند المحققين، إلا أن الرحمن مختص به تعالى فهو خاص اللفظ إذ لا يجوز أن يسمى به أحد غير الله تعالى عام المعنى من حيث إنه يشمل جميع الموجودات، والرحيم عام من حيث الاشتراك في التسمي به خاص من طريق المعنى، لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق.
وقدّم الرحمن لاختصاصه بالباري تعالى كاسم الله وقرن بينهما للمناسبة، ولم يأتِ المصنف رحمه الله تعالى بخطبة تنبىء عن مقاصد كتابه هذا مبتدأة بالحمد والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما فعل غيره اقتداء بالكتاب العزيز، وعملاً بحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" المروي في سنن ابن ماجة وغيرها لأنه صدّر كتابه بترجمة بدء الوحي، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية، فكأنه قال قصدت جمع وحي السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي، وإنما لكل امرىء ما نوى. فاكتفى بالتلويح عن التصريح. وأما الحديث فليس على شرطه بل تكلم فيه لأن في سنده قرة بن عبد الرحيم، ولئن سلمنا الاحتجاج به فلا يتعين النطق والكتابة معًا فيحمل على أنه فعل ذلك نطقًا عند تأليفه اكتفاء بكتابة البسملة، وأيضًا فإنه ابتدأ ببسم الله ثم رتب عليه من أسماء الصفات الرحمن الرحيم، ولا يعني بالحمد إلا هذا لأنه الوصف بالجميل على جهة التفضيل، وفي جامع الخطيب مرفوعًا "كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" وفي رواية أحمد لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع ولا ينافيه حديث بحمد الله لأن معناه الافتتاح بما يدل على المقصود من حمد الله تعالى والثناء عليه، لا أن لفظ الحمد متعين لأن القدر الذي يجمع ذلك هو ذكر الله تعالى، وقد حصل بالبسملة لا سيما وأول شيء نزل من القرآن اقرأ باسم ربك، فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها، ويعضده أن كتبه عليه الصلاة والسلام إلى الملوك مفتتحة بها دون حمدلة وغيرها، وحينئذ فكأن المؤلف أجرى مؤلفه هذا مجرى الرسالة إلى أهل العلم لينتفعوا به.
وتعقب بأن الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة أخرجه النسائي، ولئن سلمنا أن الحديث ليس على شرطه فلا يلزم منه ترك العمل به مع مخالفة سائر المصنفين وافتتاح الكتاب العزيز، وبأن لفظ الذكر غير لفظ الحمد، وليس الآتي بلفظ الذكر آتيًا بلفظ الحمد، والغرض التبرّك باللفظ المفتتح به كلام الله تعالى انتهى.
والأولى الحمل على أن البخاري تلفظ بذلك، إذ ليس في الحديث ما يدل على أنه لا يكون إلا بالكتابة، وثبتت البسملة لأبي ذر والأصيلي.
(كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا لأبي ذر والأصيلي بإسقاط لفظ (باب) ولأبي الوقت وابن عساكر والباقي باب كيف الخ، وهو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، أي هذا باب كيف، ويجوز فيه التنوين والقطع عما بعده وتركه للإضافة إلى الجملة التالية. لا يقال إنما يضاف إلى
الجملة أحد أشياء مخصوصة، وهي كما في مغني ابن هشام ثمانية أسماء: الزمان، وحيث، وآية بمعنى علامة، وذو، ولدن، وريث، وقول، وقائل، واستدل للأخيرين بقوله: