بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء آخره تأنيث أي بياضهما المشوب بالسمرة، ولأبي ذر: عفر بإسقاط هاء التأنيث (اللهم هل بلغت هل بلغت ثلاثًا) أي قد بلغت أو استفهام تقريري والتقرير للتأكيد ليسمع من لا سمع وليبلغ الشاهد الغائب، وفيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال وأن العامل لا يملكها إلا أن يطيبها له الإمام كما في قصة معاذ أنه عليه الصلاة والسلام طيّب له الهدية فأنفذها له أبو بكر -رضي الله عنه- بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقد سبق حديث الباب في الزكاة، وأخرجه أيضًا في الأحكام والنذور وترك الحيل ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج.
١٨ - باب إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ
وَقَالَ عَبِيدَةُ: إِنْ مَاتا وَكَانَتْ فُصِلَتِ الْهَدِيَّةُ وَالْمُهْدَى لَهُ حَىٌّ فَهْيَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الَّذِي أَهْدَى. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الْمُهْدَى لَهُ إِذَا قَبَضَهَا الرَّسُولُ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) الرجل (هبة) لاخر (أو وعد) آخر وزاد الكشميهني عدة (ثم مات) الذي وهب أو الذي وعد أو الذي وهب له أو الذي وعد له (قبل أن تصل) الهبة أو الذي وعده به (إليه) إلى الموهوب له أو الموعود لم ينفسخ عقد الهبة لأنه يؤول إلى اللزوم كالبيع بخلاف نحو الشركة والوكالة ومثل الموت الجنون والإغماء، لكن لا يقبضان إلا بعد الإفاقة قاله البغوي.
وقام وارث الواهب في الإقباض والإذن، ووارث المتهب في القبض مقام المورث، فإن رجع الواهب أو وارثه في الإذن في القبض أو مات هو أو المتهب بطل الإذن، ولو مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض فليس للرسول إيصال الهدية إلى المهدى إليه أو وارثه إلا بإذن جديد كما هو مفهوم مما مرّ.
(وقال عبيدة): بفتح العين المهملة وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام مما لم أعرف من وصله (إن مات) أي المهدي وفي نسخة: إن ماتا أي المهدي والمُهدى (وكانت فصلت الهدية) بالفاء المضمومة والصاد المهملة المكسورة، وفي نسخة: فصلت بفتحهما وهما من الفصل والمراد القبض، وفي نسخة: وصلت بالواو بدل الفاء فالفصل بالنظر إلى المهدي والوصل بالنظر إلى المُهدى إليه إذ حقيقة الإقباض لا بدّ لها من فصل الموهوب عن الواهب ووصله إلى المتهب قاله الكرماني (والمهدى له حيّ) حال القبض ثم مات (فهي) أي الهدية (لورثته وإن لم تكن) أي الهدية (فصلت فهي لورثة الذي أهدى) بفتح الهمزة والدال.
قال في فتح الباري وتفصيله بين أن تكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أنّ قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه، وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه إلا بأن يقبضها أو وكيله انتهى.
ومفهومه أن المراد بقوله فصلت أي من المهدي إلى الرسول لا قبض المهدى إليه لها وهو خلاف ما قاله الكرماني.
(وقال الحسن) البصري -رحمه الله- مما لم أعرفه موصولاً (أيهما) أي أيّ واحد من المهدي والمهدى إليه (مات قبل) أي قبل الآخر (فهي) أي الهدية (لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول) فإن لم يقبضها فهي للمهدي أو لورثته.
٢٥٩٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا (ثَلَاثًا)، فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَدَنِي فَحَثَى لِي ثَلَاثًا".
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد قال: (سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو جاء مال البحرين) من الجزية (أعطيتك هكذا ثلاثًا فلم يقدم) مال البحرين (حتى توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرسله العلاء بن الحضرمي (فأرسل) والذي في الفرع فأمر (أبو بكر) -رضي الله عنه-
(مناديًا) يحتمل أن يكون بلالاً (فنادى من كان له عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدة) وعده بها (أو دين) كقرض أو نحوه (فليأتنا) نوفه ذلك قال جابر (فأتيته) -رضي الله عنه- (فقلت) له: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدني) عدة (فحثى لي) بالحاء المهملة والمثلثة (ثلاثًا) أي ثلاث حثيات من حثى يحثي ويحثو لغتان والحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفّين، وذكر أبو عبيد أنهما بمعنى وكانت كل حثية خمسمائة. وقول الإسماعيلي أن ما قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجابر ليس هبة وإنما هي عدة على وصف لكن لما كان وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يجوز أن يتخلف نزلوا وعده منزله الضمان