للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في كتاب الله فهو باطل وليس الخبر كالمعاينة والبلاء موكل بالمنطق وأي داء أدوأ من البخل وحبك الشيء يعمي ويصمّ إلى غير ذلك مما يعسر استقصاؤه ويدلك على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حاز من الفصاحة وجوامع الكلم درجة لا يرقاها غيره، وحاز مرتبة لا يقدر فيها قدره. وفي كتابي المواهب من ذلك ما يشفي ويكفي. قال ابن المنير: ولم يتحد من الأنبياء بالفصاحة إلا نبينا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن هذه الخصوصية لا تكون لغير الكتاب العزيز وهل فصاحته عليه الصلاة والسلام في جوامع الكلم التي ليست من التلاوة ولكنها معدودة من السُّنَّة تحدَّى بها أم لا وظاهر قوله أوتيت جوامع الكلم أنه من التحدّث بنعمة الله وخصائصه كقوله:

(ونصرت بالرعب) بضم الراء أي الخوف يقذف في قلوب أعدائي زاد في التيمم مسيرة شهر وجعل الغاية مسيرة الشهر لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه (وبينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) رأيت نفسي (أتيت) بغير واو بعد الهمزة وفي باب رؤيا الليل من التعبير بإثباتها (بمفاتيح خزائن الأرض) كخزائن كسرى أو معادن الذهب والفضة (فوضعت في يدي) بالإفراد حقيقة أو مجازًا فيكون كناية عن وعد الله بما ذكر أنه يعطيه أمته.

(قال أبو هريرة) بالسند السابق إليه (فقد ذهب) أي فتوفي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتم تلغثونها) بفوقية مفتوحة فلام ساكنة فغين معجمة مفتوحة فمثلثة مضمومة وبعد الواو الساكنة نون فهاء فألف من اللغيث بوزن عظيم طعام مخلوط بشعير كذا في المحكم عن ثعلب أي تأكلونها كيفما اتفق (أو) قال (ترغثونها) بالراء بدل اللام من الرغث كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته قاله القزاز والشك من الراوي أي وأنتم ترضعونها (أو) قال (كلمة تشبهها) أي تشبه إحدى الكلمتين المذكورتين نحو ما سبق في التعبير تنتثلونها بالمثلثة وتاء الافتعال أي تستخرجونها.

والحديث من أفراده.

٧٢٧٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِىٌّ إِلَاّ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنِّى أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام الفهمي المصري (عن سعيد) بكسر العين (عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما) أي الذي (مثله أومن) بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة فميم مكسورة فنون مفتوحة من الأمن (أو) قال: (آمن) بفتح الهمزة والميم من الإيمان (عليه) أي لأجله (البشر وإنما كان) معظم المعجز (الذي أوتيت) بحذف الضمير المنصوب ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أوتيته أي من المعجزات (وحيًا أوحاه الله إليّ) وهو القرآن العظيم لكونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله تعالى بحفظه فقال تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: ٩] وسائر معجزات غيره من الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العظيم الباهرة آياته الظاهرة معجزاته على ما كان عليه من وقت نزوله إلى هذا الزمن مدة تسعمائة سنة وست عشرة سنة حجته قاهرة ومعارضته ممتنعة باهرة ولذا رتب عليه قوله (فأرجو أني أكثرهم) أكثر الأنبياء (تابعًا يوم القيامة) لأن بدوام المعجزة يتجدد الإيمان ويتظاهر البرهان وتابعًا نصب على التمييز.

والحديث مرّ في فضائل القرآن.

٢ - باب الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤] قَالَ: أَيِمَّةً نَقْتَدِى بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِى بِنَا مَنْ بَعْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِى وَلإِخْوَانِى هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَاّ مِنْ خَيْرٍ.

(باب الاقتداء بسنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الشاملة لأقواله وأفعاله وتقريره (وقول الله تعالى: {واجعلنا للمتقين إمامًا}) أفرده للجنس وحسنه كونه رأس فاصلة أو اجعل كل واحد منا كما قال تعالى: {نخرجكم طفلاً} [الفرقان: ٧٤] أو لاتحادهم واتفاق كلمتهم أو لأنه مصدر في الأصل كصيام وقيام (قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا) قاله مجاهد فيما أخرجه الفريابي والطبري بسند صحيح أي: اجعلنا أئمة لهم في الحلال والحرام يقتدون بنا فيه قيل: وفي الآية ما يدل على أن الرئاسة في الدين تطلب ويرغب فيها.

(وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله البصري التابعي الصغير

<<  <  ج: ص:  >  >>