همزة الاستفهام أي أسمعته (من النبي ﷺ أو وجدته في كتاب الله تعالى. قال) ولأبي ذر: فقال (كل ذلك لا أقول) برفع كل كما في الفرع أي لم يكن السماع ولا الوجدان، وفي بعض الأصول بالنصب. قال في الفتح كالتنقيح: على أنه مفعول مقدم وهو في المعنى نظير قوله ﵊ في حديث ذي اليدين كل ذلك لم يكن فالمنفي هو المجموع انتهى.
وحينئذ فيكون لسلب الكل بخلاف وجه الرفع فإنه لعموم السلب وهو أبلغ وأعم من سلب الكل على ما لا يخفى، وهو مراد ابن عباس لأنه ليس مراده نفي المجموع من حيث هو مجموع حتى
يكون البعض ثابتًا، وإذا نصبت "كل" كانت داخلة في حيز النفي ضرورة أن نصبها بأقوال الواقع بعد حرف النفي فيكون الترتيب هكذا لا أقول كل ذلك، فيكون المعنى بل أقول بعضه وليس هو المراد فتعين أن مراده نفي كل واحد من الأمرين أي: لم أسمعه من رسول الله ﷺ ولا وجدته في كتاب الله، ثم كيف يكون التركيب مع نصب كل نظير كل ذلك لم يكن والمنفي هنا في حيز كل وفي النصب هي في حيز النفي؟ نعم إن رفع كل من قوله كل ذلك لا أقول على أنه مبتدأ أو لا أقول خبره والعائد محذوف أي أقوله على حدّ قوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي … عليّ ذنبًا كله لم أصنع
برفع "كل" وحذف العائد أي لم أصنعه فحينئذ يكون نظير كل ذلك لم يكن ويكون المنفي كل فرد لا المجموع من حيث هو مجموع قاله في المصابيح، والنصب هو الذي في الفرع. وفي رواية مسلم فقال: لم أسمعه من رسول الله ﷺ ولا وجدته في كتاب الله تعالى.
(وأنتم أعلم برسول الله مني) أي لأنكم كنتم بالغين كاملين عند ملازمة رسول الله ﷺ وأنا كنت صغيرًا، (ولكنني) بنونين، ولأبوي ذر والوقت: ولكن (أخبرني أسامة) بن زيد ﵁ (أن النبي ﷺ قال):
(لا ربًا إلا في النسيئة) أي لا في التفاضل، وقد أجمع على ترك العمل بظاهره. وقيل: إنه محمول على الأجناس المختلفة فإن التفاضل فيها لا ربًا فيه ولكنه مجمل فبيّنه حديث أبي سعيد أو أنه منسوخ، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقال الخطابي: يحتمل أنه سمع كلمة من آخر الحديث ولم يذكر أوّله كان سئل عن التمر بالشعير أو الذهب بالفضة متفاضلاً فقال: إنما الربا في النسيئة وهو صحيح لاختلاف الجنس، وقد رجع ابن عباس عن ذلك فروى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالحاء المهملة والتحتية قال: سألت أبا مجلز عن الصرف؟ فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره ما كان منه عينًا بعين يدًا بيد وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدًا بيد مثلاً بمثل فمن زاد فهو ربًا. فقال ابن عباس ﵄: أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهي.
وفي حديث الباب ثلاثة من الصحابة، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة في البيوع.
٨٠ - باب بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً
(باب بيع الورق) بفتح الواو وكسر الراء وقد تسكن الراء وقد تكسر الواو مع إسكان الراء فهي ثلاث لغات أي الدراهم المضروبة (بالذهب) حال كونه (نسيئة) على وزن كريمة ويجوز الإدغام فتكون على وزن برية وحذف الهمزة وكسر النون كجلسة.
٢١٨٠ و ٢١٨١ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ﵃ عَنِ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي. فَكِلَاهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا".
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولى تيم الكوفي (قال: سمعت أبا المنهال) سيار بن سلامة الرياحي بالتحتية والمهملة البصري (قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم ﵃ عن الصرف) وهو بيع أحد النقدين بالآخر (فكل واحد منهما) أي من البراء وزيد (يقول: هذا خير مني، فكلاهما يقول: نهى رسول الله ﷺ عن بيع الذهب بالورق دينًا) أي غير حال حاضر في المجلس، ولا يقال لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنها بيع الورق بالذهب والحديث