في أن الآخذة ليست بعليا. ومحصل ما قيل في ذلك أن أعلى الأيدي المنفقة والمتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة. وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث السابقة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث، وقد ذكر أبو العباس الداني
في أطراف الموطأ أن هذا التفسير المذكور في حديث ابن عمر هذا مدرج فيه ولم يذكر لذلك مستندًا. نعم، في كتاب الصحابة للعسكري بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" ولا أحسب السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية، فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كنا نتحدث أن اليد العليا هي المنفقة قاله في فتح الباري.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته ما بين بصري ومدني، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائى فى الزكاة.
١٩ - باب الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى، لِقَوْلِهِ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى} الآيَةَ
(باب) ذم (المنان بما أعطى) من الصدقة على من أعطاه (لقوله) تعالى: ({الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا}) من الصدقات ({منًّا}) على من أعطوه بذكر الإعطاء له وتعدد نعمه عليه ({ولا أذى}) [البقرة: ٢٦٢] بأن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه فيحبط به ما أسلف من الإحسان، فحظر الله تعالى المنّ بالصنيعة واختص به صفة لنفسه إذ هو من العباد تكدير ومن الله تعالى إفضال وتذكير لهم بنعمه {الآية} إلى آخرها أي إلى قوله: {لهم أجرهم عند ربهم} أي ثوابهم على الله لا على أحد سواه {ولا خوف عليهم} فيما يستقبلونه من أهوال القيامة {ولا هم يحزنون} على ما فاتهم والآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف فإنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأربعة آلاف درهم وعثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها. وسقط في رواية غير أبي ذر قوله: {منًّا ولا أذى} واقتصر المؤلّف على الآية ولم يذكر حديثًا لكونه لم يجد في ذلك ما هو على شرطه.
وفي مسلم من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة الذي لا يعطي شيئًا إلا منة والمنفق سلعته بالحلف والمسبل إزاره. وهذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني كما قاله في الفتح، وأشار في اليونينية إلى سقوطها في رواية أبي ذر والله الموفق والمعين.
٢٠ - باب مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا
(باب من أحب تعجيل الصدقة) فرضها ونفلها (من يومها خوفًا من عروض الموانع).
١٤٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ -أَوْ قِيلَ- لَهُ فَقَالَ: كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن عمر بن سعيد) بضم العين في الأوّل وكسرها في الثاني النوفلي القرشي المكيّ (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام عبد الله (أن عقبة بن الحرث) أبا سروعة النوفلي (-رضي الله عنه- حدثه قال: صلّى بنا النبي) ولأبوي ذر والوقت: صلّى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر فأسرع) وفي باب: من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم فسلم بدل قوله هنا فأسرع (ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج فقلت): ولأبي الوقت في غير اليونينية فقلنا (أو قيل له) عن سبب سرعته (فقال) عليه الصلاة والسلام؛ "كنت خلفت في البيت تبرًا" ذهبًا غير مضروب (من الصدقة فكرهت أن أبيته) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية أي أتركه حتى يدخل الليل (فقسمته) وهذا موضع الترجمة لأن كراهته تبييته تدل على استحباب تعجيل الصدقة. قال الزين بن المنير ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى.
٢١ - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا
(باب) استحباب (التحريض على الصدقة) بأن يذكر ما فيها من الأجر (و) ثواب (الشفاعة فيها).
١٤٣١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ -وَمَعَهُ بِلَالٌ- فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي الأزدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عديّ) هو ابن ثابت (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد) هو عيد الفطر كما صرح به في حديث باب الخطبة بعد العيد (فصلّى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد) بالبناء على الضم