على ما سبق أي حدّثنا موسى بن إسماعيل عن وهيب (قال: أخبرنا هشام عن أبيه) عن عروة (عن أبي هريرة ﵁ بهذا) أي بحديث حكيم وإيراده له معطوفًا على إسناده يدل على أنه رواه عن موسى بن إسماعيل بالطريقين معًا فكأن هشامًا حدث به وهيبًا تارة عن أبيه عن حكيم بن حزام، وتارة عن أبي هريرة أو حدث به عنهما مجموعًا ففرقه وهيب أو الراوي عنه. ولأبي ذر: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ بهذا.
ثم أخذ المصنف يذكر ما يفسر المجمل في حديث حكيم في قوله اليد العليا خير من اليد السفلى فقال بالسند السابق أوّل هذا الكتاب.
(حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (﵄ قال: سمعت النبي ﷺ) لم يذكر متن هذا السند. قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد اليد العليا هي المنفقة. وقال واحد عنه المتعففة يعني بعين وفاءين، وكذا قال عبد الوارث عن أيوب. قال الحافظ ابن حجر: الذي قال عن حماد المتعففة بالعين فهو مسدد كذا رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، وأما رواية
عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة. وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي، وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف انتهى (ح) للتحويل قال:
(وحدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال وهو على المنبر) جملة اسمية وقع حالاً (وذكر الصدقة) جملة فعلية حالية أي كان يحض الغني عليها (والتعفف) أي ويحض الفقير عليه (والمسالة) - كذا بالواو أي ويذم المسألة. ولمسلم عن قتيبة عن مالك: والتعفف عن المسألة (اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا هي المنفقة) اسم فاعل من أنفق ورواه أبو داود وغيره المتعففة بالعين والفاءين كما مر. ورجحه الخطابي قال: لأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها. وقال شارح المشكاة: وتحرير ترجيحه أن يقال إن قوله وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة كلام مجمل في معنى العفة عن السؤال، وقوله: اليد العليا خير من اليد السفلى بيان له وهو أيضًا مبهم، فينبغي أن يفسر بالعفة ليناسب المجمل وتفسيره باليد المنفقة غير مناسب للمجمل لكن إنما يتم هذا لو اقتصر على قوله اليد العليا هي المتعففة ولم يعقبه بقوله:(و) اليد (السفلى هي السائلة) لدلالتهما على علو المنفقة وسفالة السائلة ورذالتها وهي ما يستنكف منها فظهر بهذا أن ما في البخاري ومسلم أرجح من إحدى روايتي أبي داود نقلاً ودراية.
ويؤيد ذلك حديث حكيم عند الطبراني بإسناد صحيح مرفوعًا: يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى أسفل الأيدي. وعند النسائي من حديث طارق المحاربي: قدمنا المدينة فإذا النبي ﷺ قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا، وهذا نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك كقول بعضهم فيما حكاه القاضي عياض: اليد العليا الآخذة والسفلى المانعة أو العليا الآخذة والسفلى المنفقة، وقد كان إذا أعطى الفقير العطية يجعلها في يد نفسه ويأمر الفقير أن يتناولها لتكون يد الفقير هي العليا أدبًا مع قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] قال: فلما أضيف الأخذ إلى الله تعالى تواضع لله فوضع يده أسفل من يد الفقير الآخذ. وقال ابن العربي: والتحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين اهـ.
وعورض بأن البحث إنما هو في يد الآدميين وأما يد الله ﷿، فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء، وباعتبار قبوله الصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ. وقد روى إسحاق في مسند. أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله ما اليد العليا؟ قال: التي تعطي ولا تأخذ، وهو صريح