فئتين﴾ وقال): أي النبي ﷺ، ولأبي ذر: فقال:
(إنها) أي المدينة (طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة) ولأبي ذر عن الحموي خبث الحديد بدل الفضة، وقيل نزلت في قوم رجعوا إلى مكة وارتدوا وقيل في عبد الله بن أبي المنافق لما تكلم في حديث الإفك وتقاولت الأوس والخزرج بسببه. قال ابن كثير: وهذا غريب وقيل غير ذلك.
٠٠٠٠ - باب ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ أَيْ أَفْشَوْهُ. يَسْتَنْبِطُونَهُ: يَسْتَخْرِجُونَهُ. حَسِيبًا: كَافِيًا. إِلاَّ إِنَاثًا: يَعْنِي الْمَوَاتَ حَجَرًا أَوْ مَدَرًا وَمَا أَشْبَهَهُ. مَرِيدًا: مُتَمَرِّدًا. فَلَيُبَتِّكُنَّ: بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ. قِيلًا وَقَوْلًا: وَاحِدٌ. طُبِعَ: خُتِمَ.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿وإذا جاءهم﴾) أي ضعفاء المؤمنين أو المنافقين (﴿أمر من الأمن﴾) كفتح أو غنيمة (﴿أو الخوف﴾) كقتل وهزيمة عن سرايا رسول الله ﷺ وبعوثه (﴿أذاعوا به﴾ أي أفشوه) بين الناس قبل أن يخبر به الرسول ﷺ فيضعف بذلك قلوب المؤمنين؛ ولو ردّوا ذلك الأمر إلى الرسول وإلى كبار الصحابة العارفين بمصالح الأمور ومفاسدها لعلم تدبير ما أخبروا به الذين (﴿يستنبطونه﴾) [النساء: ٨٣] أي (يستخرجونه) وفيه إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها وقد لا يكون لها صحة. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا (كفى بالمرء إثمًا أن يحدّث بكل ما سمع) رواه مسلم وسقط التبويب، وقوله: (﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن﴾) لغير أبوي ذر والوقت ولغير أبي ذر لفظة أي من قوله أي أفشوه.
(﴿حسيبًا﴾) يريد قوله تعالى: ﴿إن الله كان على كل شيء حسيبًا﴾ [النساء: ٨٦] أي (كافيًا) وسقط هذا لأبي ذر (﴿إلا إناثًا﴾) يريد قوله تعالى: ﴿إن يدعون من دونه إلا إناثًا﴾ [النساء: ١١٧] أي ما يعبدون من دون الله إلا إناثًا لأن كل من عبد شيئًا فقد دعاه لحاجته وإناثًا (يعني الموات حجرًا أو مدرًا وما أشبهه) قال الحسن: كل شيء لا روح فيه كالحجر والخشبة في إناث، وقد كانوا يسمون أصنامهم بأسماء الإناث فيقولون: اللات والعزى ومناة، وعن الحسن أن لكل قبيلة صنمًا يدعى أنثى بني فلان وذلك لقولهم: هنهن بنات الله أو قولهم الملائكة بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى اتخذوا أربابًا وصوروهن صور الجواري وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة. وعن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنية. رواه ابن أبي حاتم وسقط لفظ يعني لغير أبي ذر.
(﴿مريدًا﴾) يريد قوله تعالى: ﴿وإن يدعون﴾ أي ما يدعون بعبادة الأصنام ﴿إلا شيطانًا مريدًا﴾ [النساء: ١١٧] أي (متمردًا) قال قتادة فيما رواه ابن أبي حاتم متمردًا على معصية الله
تعالى. قال تعالى: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾ [يس: ٦٠] وسقط قوله: ﴿مريدًا﴾ متمردًا للكشميهني والحموي.
(﴿فليبتكن﴾) هو من حكاية قول الشيطان في قوله تعالى: ﴿وقال لأتخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا﴾ [النساء: ١١٨] أي حظًّا مقدرًا معلومًا ﴿ولأضلّنهم﴾ أي عن طريق الحق ﴿ولأمنينّهم﴾ من طول العمر وبلوغ الأمل وتوقع الرحمة للمذنب بغير توبة أو الخروج من النار بالشفاعة ﴿ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام﴾ [النساء: ١١٨، ١١٩] (بتكه) أي (قطعه) وقد كانوا يشقون أذني الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرًا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ولا يردونها عن ماء ولا مرعى.
(﴿قيلًا﴾) يريد قوله تعالى: ﴿ومن أصدق من الله قيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] والنصب على التمييز وقيلًا (وقولًا واحد) وقالًا الثلاثة مصادر بمعنى (طبع) بضم الطاء وكسر الموحدة أي (ختم) يريد تفسير قوله تعالى: ﴿طبع الله على قلوبهم﴾ [النحل: ١٥٨] ولم يذكر المؤلّف حديثًا في هذا الباب.
قال الحافظ ابن كثير: فنذكر هنا عند تفسير آية الباب حديث عمر بن الخطاب- ﵁ المتفق عليه حين بلغه أن رسول الله ﷺ طلّق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي ﷺ فاستفهمه أطلقت نساءك؟ قال "لا" فقلت الله أكبر وذكر الحديث بطوله: وعند مسلم فقلت: أطلقتهن؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ فكنت أنا أستنبط ذلك الأمر.
قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصة عند