وقيل؛ رفعت معرفتها للتلاحي. قال الطيبي: لعل مقدر المضاف ذهب إلى أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى، ويمكن أن يقال إن المراد برفعها أنها شرعت أن تقع، فلما تلاحيا ارتفعت فنزل الشروع منزلة الوقوع ومن ثم عقبه بقوله: {فالتمسوها) أي اطلبوا ليلة القدر (في) الليلة (التاسعة) والعشرين من رمضان (و) في الليلة (السابعة) بالموحدة والعشرين منه (و) في الليلة (الخامسة) والعشرين منه، وقدّم التاسعة بالفوقية على السابعة بالموحدة على ترتيب التدلي.
والمطابقة في قوله فتلاحى وهو التنازع والتخاصم كما مرّ وذلك يفضي إلى المساببة غالبًا.
والحديث سبق في الإيمان والحج.
٦٠٥٠ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ
قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ فَقَالَ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِى: «أَسَابَبْتَ فُلَانًا»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِى هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ: «نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن المعرور) بمهملات. زاد أبو ذر هو ابن سويد (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- (قال): أي المعرور بن سويد (رأيت عليه) أي على أبي ذر (بردًا) بضم الموحدة وسكون الراء (وعلى غلامه بردًا) أيضًا. قال في المقدمة: لم أعرف اسم الغلام، وقال في الفتح في كتاب الإيمان: يحتمل أنه أبو مراوح مولى أبي ذر (فقلت) له (لو أخذت هذا) البرد الذي على غلامك (فلبسته) مع الذي عليك (كانت حلة) إذ الحلة لا تكون إلا من ثوبين (وأعطيته ثوبًا آخر فقال) أبو ذر: (كان بيني وبين رجل) هو بلال المؤذن (كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها) أي تكلمت في عرضها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء (فذكرني إلى النبي) عداه بإلى لتضمنه معنى الشكاية، ولأبي ذر عن الكشميهني للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي):
(أساببت فلانًا)؟ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي (قلت: نعم قال أفنلت من) عرض (أمه) (قلت: نعم قال: إنك) في نيلك من أمه (امرؤ) رفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاثة (فيك جاهلية) أي أخلاق أهل الجاهلية والتنوين للتقليل، قال أبو ذر -رضي الله عنه- (قلت) يا رسول الله في جاهلية (على حين ساعتي هذه من كبر السن) وسقط لفظ حين لأبي ذر الهروي (قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) وإنما وبخه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك مع عظم درجته تحذيرًا له أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى (هم) الخدم سواء كانوا أرقّاء أو لا (إخوانكم) في الإسلام أو من أولاد آدم (جعلهم الله تحت أيديكم) بالملك والاستئجار (فمن جعل الله أخاه تحت يده) بالإفراد ولأبي ذر يديه (فليطعمه) ندبًا (مما يأكل وليلبسه) كذلك (مما يلبس) فلا يلزمه أن يطعمه ولا يلبسه من طيبات الأطعمة وفاخر اللباس (ولا يكلفه) وجوبًا (من العمل ما يغلبه) أي تعجز طاقته عنه (فإن كلفه) من العمل (ما يغلبه فليعنه عليه).
والحديث سبق في الإيمان والعتق.
٤٥ - باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ
وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ وَمَا لَا يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ».
(باب ما يجوز من ذكر) أوصاف (الناس نحو قولهم الطويل والقصير، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يقول ذو اليدين) فذكره باللقب للتعريف، وهذا التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في باب تشبيك الأصابع في المسجد بلفظ: أكما يقول، ولمسلم ما يقول بلفظ الترجمة (و) في جواز (ما لا يراد به شين الرجل) كالأعرج والأعمش بل تمييز عن غيره وإن أراد تنقيصه حرم وإن كان مما يعجب الملقب ولا إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع فهو جائز أو مستحب.
٦٠٥١ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِى الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» قَالَ: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري أبو سعيد قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمَّنَا وفي رواية لنا باللام بدل الموحدة (الظهر ركعتين ثم سلّم ثم قام إلى خشبة) وكانت جذعًا من نخل (في مقدّم المسجد ووضع يده) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني يديه (عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (فهابا أن يكلماه) في سبب تسليمه من الركعتين وروي فهاباه بإثبات المفعول وحذفه فإن يكلماه بدل من ضمير المفعول في هاباه وأن هي المصدرية الناصبة وعلامة النصب