{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤] على قراءة الرفع.
(ثم قال:) عليه الصلاة والسلام (أقبل) بكسر الموحدة فعل أمر من الإقبال، ولأبي ذر والأصيلى أقبل بفتح الموحدة فعل أمر من القبول فهمزته همزة وصل تكسر في الابتداء كأنه لما قال له ذلك تولى ليذهب فأمره بالإقبال ليبين له وجه الإعطاء والمنع (أي سعد) منادى مفرد مبني على الضم وأي نداء (إني لأعطي الرجل) الحديث (قال أبو عبد الله:) البخاري جريًا على عادته في إيراد تفسير اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن ({فكبكبوا}) في سورة الشعراء أي (قلبوا) بضم القاف وكسر اللام وضم الموحدة، ولأبي ذر: فكبوا بضم الكاف من الكب وهو الإلقاء على الوجه، وقوله تعالى في سورة الملك ({مكبًّا}) بكسر الكاف لأبي ذر يقال: (أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد) أي لازمًا (فإذا وقع الفعل) أي إذا كان متعديًا (قلت: كبه الله لوجهه، وكببته أنا) يريد أن أكب لازم وكب متعد وهو غريب أن يكون القاصر بالهمزة والمتعدي بحذفها.
١٤٧٩ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس المدني ابن أخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ليس المسكين) الكامل (الذي يطوف على الناس) ليسألهم صدقة عليه (ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) بالمثناة الفوقية فيهما (ولكن المسكين) الكامل في المسكنة (الذي لا يجد غنى يغنيه) أي شيئًا يقع موقعًا من حاجته (ولا يفطن به) بضم الياء وفتح الطاء أي لا يعلم بحاله، ولأبي ذر: له باللام بدل الموحدة (فيتصدق عليه) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (ولا يقوم فيسأل الناس) برفع المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين عطفًا على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه. أي: لا يفطن له فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل الناس وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوبًا لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء وقد يستدل بقوله: ولا يقوم فيسأل الناس على أحد محملي قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] أن معناه نفي السؤال أصلاً، وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصل السؤال والتأكيد هو الإلحاف.
١٤٨٠ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين آخره مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو-) يذهب قال أبو هريرة: (أحسبه) أي أظنه (قال إلى الجبل) - موضع الحطب (فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق) بواو العطف ليدل على أنه يجمع بين البيع والصدقة وبالفاء في الأولين لأن الاحتطاب يكون عقب الغدو إلى الجبل، والبيع يكون عقب الاحتطاب (خير له من أن يسأل الناس) أعطوه أو منعوه وفيه الاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات.
(قال: أبو عبد الله) البخاري (صالح بن كيسان أكبر) سنًا (من الزهري وهو قد أدرك ابن عمر) بن الخطاب يعني أدرك السماع منه، وأما الزهري فاختلف في لقيه له، والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، وعند أبي ذر: تقديم قال أبو عبد الله الخ. على قوله حدثنا إسماعيل.
٥٤ - باب خَرْصِ التَّمْرِ
(باب) مشروعية (خرص التمر) بالمثناة وسكون الميم ولأبي ذر الثمر بالمثلثة وفتح الميم، والخرص بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو حزر ما على النخل من الرطب تمرًا ليحصى على مالكه ويعرف مقدار عشره فيثبت على مالكه ويخلى بينه وبين التمر، فإذا جاء وقت الجداد أخذ العشر والخرص سنة عند الشافعية. وفي قول جزم به الماوردي أنه واجب وأنكره الحنفية. وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقًا