روى الروياني وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق بكر بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف ترى جعيلاً؟ قلت: مسكينًا كشكله من الناس. قال: وكيف ترى فلانًا؟ قلت سيدًا من السادات. قال: فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا. قال: قلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع؟ قال: إنه رأس قومه فأتألفهم. وإسناده صحيح، وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، لكن لم يسم جعيلاً. وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد فأبهم جعيلاً وأبا ذر؛ قاله في الإصابة.
(لم يعطه وهو أعجبهم) أي أفضل الرهط وأصلحهم (إلي) أي في اعتقادي. قال في المصابيح: أضاف أفعل التفضيل إلى ضمير الرهط المعطين وأوقعه على الرجل الذي لم يعط وأفعل التفضيل إذا قصدت به الزيادة على من أضيف إليه كما قاله ابن الحاجب اشترط أن يكون منهم، وقد بينا أنه ليس من الرهط ضرورة كونه لم يعط فيمتنع كما يمتنع يوسف أحسن إخوته مع إرادة هذا المعنى والمخلص من ذلك أعجب الرهط الحاضرين الذين منهم المعطى والمتروك.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المقصود بأفعل التفضيل زيادة مطلقة والإضافة للتخصيص والتوضيح فينتفي المحذور فيجوز التركيب كما أجازوا يوسف أحسن إخوته بهذا الاعتبار. قلت: المراد بالزيادة المطلقة أن يقصد تفضيله على كل ما سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده وظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا انتهى.
قال سعد:(فقمت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فساررته فقلت: ما لك عن فلان) أي أي شيء حصل لك أعرضت به عن فلان فلا تعطيه (والله إني لأراه مؤمنًا) بضم الهمزة أي لأظنه وفي غير الفرع بفتح الهمزة أي أعلمه. قال النووي: ولا يضم على معنى أظنه لأنه قال: غلبني ما أعلم ولأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرارًا فلو لم يكن جازمًا لما كرر المراجعة وتعقب بأن ما أعلم معناه ما أظن كقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}[الممتحنة: ١٠] والمراجعة لا تدل على الجزم لأن الظن يلزم اتباعه اتفافًا وحلف على غلبة ظنه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) بإسكان الواو على الإضراب عن قوله والحكم بالظاهر كأنه قال: بل مسلمًا ولا تقطع بإيمانه فإن الباطن لا يطلع عليه إلا الله فالأولى أن يعبر بالإسلام وليس حكمًا بعدم إيمانه بل نهي عن الحكم بالقطع به. (قال) سعد: (فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما أعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان والله إني لأراه) أظنه (مؤمنًا قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه مؤمنًا أو قال مسلمًا. (قال: فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما أعلم فيه) ولأبي ذر: منه بالميم والنون بدل الفاء والياء (فقلت يا رسول الله: ما لك عن فلان والله إني لأراه) أظنه (مؤمنًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه مؤمنًا أو قال مسلمًا (يعني فقال) وهاتان الكلمتان ساقطتان عند أبي ذر (إني لأعطي الرجل) مفعوله الثاني محذوف أي الشيء (وغيره أحب إلي منه) مبتدأ وخبره في موضع الحال (خشية) نصب مفعول له لقوله لأعطي أي لأجل خشية (أن يكب) بضم أوّله وفتح الكاف (في النار على وجهه).
وهذا الحديث سبق في باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة من كتب الإيمان (وعن أبيه) عطفًا على السابق أي قال يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي) محمد بن سعد بن أبي وقاص (يحدث هذا) الحديث، ولأبي ذر: بهذا فهو مرسل لأنه لم يذكر سعدًا، لكن قال الكرماني إن الإشارة في قوله هذا إلى قول سعد فهو متصل (فقال: في) جملة (حديثه فضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده فجمع بين عنقي وكتفي) فجمع بالفاء
والفعل الماضي كذا في اليونينية، وفي بعض الأصول بجمع بالباء الجارة وضم الجيم وسكون الميم أي ضرب بيده حال كونها مجموعة وبين اسم لا ظرف. كقوله تعالى: