المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بقربه، وتعليلاً للنفس، وتخييلاً باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الاطلال البالية، ويخاطب المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة (فسمعوا) أي: المرأة ومن معها، ولأبي ذر: فسمعت (صائحًا) من مؤمني الجنّ أو الملائكة (يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟) بفتح القاف، وللكشميهني: ما طلبوا؟ (فأجابه) صائح (آخر: بل يئسوا فانقلبوا).
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة: أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة فيه، فيستلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة. فتزداد الكراهة، وإذا أنكر الصائح بناء زائلاً، وهو: الخيمة، فالبناء الثابت أجدر، ولكن لا يؤخذ من كلام الصائح حكم، لأن مسالك الأحكام: الكتاب والسنة والقياس والإجماع، ولا وحي بعده ﵊، وإنما هذا وأمثاله تنبيه على انتزاع الأدلة من مواضعها، واستنباطها من مظانها.
١٣٣٠ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂: "عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا. قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لأَبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا".
وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) العبسي (عن شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن هلال: هو) ابن حميد (الوزان، عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة، ﵂ عن النبي ﷺ قال، في مرضه الذي مات فيه):
(لعن الله اليهود والنصارى) أي: أبعدهم من رحمته (اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدًا) بالإفراد على إرادة الجنس، وللكشميهني: مساجد (قالت) عائشة، ﵂: (ولولا ذلك) أي: خشية اتخاذ قبره مسجدًا (لأبرزوا قبره) ﵇، بلفظ الجمع، لكن لم يبرزوه أي: لم يكشفوه، بل بنوا عليه حائلاً لوجود خشية الاتخاذ. فامتنع الإبراز، لأن: لولا، امتناع لوجود، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي: لأبرز قبره، بالرفع مفعول ناب عن الفاعل (غير أني أخشى أن يتخذ مسجدًا).
وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد، ولذا لما وسع جعلت الحجرة الشريفة رزقنا الله العودة إليها، مثلثة الشكل، محددة، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلّي إلى جهة القبر المقدس، مع استقبال القبلة.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وفيه أن شيخ المؤلّف بصري، سكن الكوفة، وشيبان وهلال: كوفيان، وعروة: مدني، وأخرجه في: الجنائز أيضًا والمغازي، ومسلم في: الصلاة.
٦٣ - باب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا
(باب الصلاة على النفساء) بضم النون وفتح الفاء والمد، بناء مفرد على غير قياس، أي: المرأة الحديثة العهد بالولادة، (إذا ماتت في) مدة (نفاسها).
١٣٣١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ ﵁ قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) الأول من الزيادة، والثاني تصغير زرع، قال: (حدّثنا حسين) المعلم، قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء والدال المهملة، ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره موحدة، الأسلمي المروزي التابعي (عن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم، ولأبي ذر زيادة: ابن جندب، بفتح الدال وضمها (﵁ قال):
(صليت وراء النبي، ﷺ)، أي: خلفه، وإن كان قد جاء بمعنى قدام، كما في قوله تعالى:
﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩] أي: أمامهم وهو ظرف مكان ملازم للإضافة، ونصبه على الظرفية (على امرأة) هي: أم كعب الأنصارية، كما في مسلم (ماتت في نفاسها) في: هنا للتعليل كما في قوله، ﵊: إن امرأة دخلت النار في هرة (فقام عليها، وسطها) بفتح السين أي: محاذيًا لوسطها. وفي نسخة: على وسطها، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي، فقام وسطها. بسكون السين، وإسقاط لفظة: عليها، فمن سكن جعله ظرفًا، ومن فتح جعله اسمًا. والمراد على الوجهين: عجيزتها. وكون هذه المرأة في نفاسها وصف غير معتبر اتفاقًا، وإنما هو حكاية أمر وقع.
واختلف في كونها امرأة، فاعتبره الشافعي، والخنثى كالمرأة، فيقف الإمام والمنفرد ندبًا عند عجيزة الأنثى والخنثى، وأما الرجل فعند رأسه لئلا يكون ناظرًا إلى فرجه، بخلاف المرأة، فإنها في القبة، كما هو الغالب، ووقوفه عند وسطها ليسترها عن أعين الناس.
وفي حديث أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، عن أنس: أنه صلّى على رجل فقام عند رأسه، وعلى امرأة، وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها. فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! أهكذا كان رسول الله ﷺ يصلّي على الجنازة؟ قال: نعم. وبذلك قال أحمد وأبو