(عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل يوم الفتح) في رمضان سنة ثمان من الهجرة (من أعلى مكة) من كداء بالفتح والمدّ (على راحلته) حال كونه (مردفًا أسامة بن زيد) خادمه وهذا موضمع الترجمة ويلحق الارتداف على الراحلة بالارتداف على الحمار نعم هو عليه أقوى في التواضع
(ومعه بلال) مؤذنه (ومعه عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عبد العزى لكونه (من الحجبة) بفتح الحاء المهملة والجيم أي حجبة الكعبة وسدنتها الذين بيدهم مفتاحها (حتى أناخ) عليه الصلاة والسلام راحلته (في المسجد) الحرام (فأمره أن يأتي بمفتاح البيت) العتيق فأتى به من عند أمه سلافة بضم السين المهملة (ففتح) عليه الصلاة والسلام به الكعبة، ولأبي ذر: ففتح بضم ثانيه مبنيًّا للمفعول (ودخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكعبة (ومعه أسامة وبلال وعثمان) بن طلحة الحجبي (فمكث فيها نهارًا طويلاً) يصلّي ويكبر ويدعو، (ثم خرج) منها (فاستبق الناس) أي فتسابقوا للولوج إلى الكعبة (وكان) بالواو ولأبي ذر فكان (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (أوّل من دخل) الكعبة (فوجد بلالاً وراء الباب قائمًا فسأله أين صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ في الكعبة (فأشار) بلال له (إلى المكان الذي صلّى فيه) منها. وفي رواية مسلم أنه قال: صلّى بين العمودين اليمانيين. (قال عبد الله) بن عمر (فنسيت) بالفاء (أن أسأله) أي بلالاً (كم صلّى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من سجدة) أي من ركعة، ولا يعارضه نفي أسامة صلاته عليه الصلاة والسلام فيها المروي في مسلم لأن بلالاً مثبت فهو مقدم على النافي. نعم روي عن أسامة إثباتها كما عند أحمد والطبراني ولا تناقض في روايتيه لأن النفي بالنسبة لما في علمه كونه لم يرَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين صلّى لاشتغاله في ناحية من نواحي الكعبة أو لإتيانه بما يمحو به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصور التي كانت بالكعبة والإثبات أخبره به غيره فرواه عنه.
١٢٨ - باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ
(باب من أخذ بالركاب) للراكب (ونحوه) كالإعانة على الركوب.
٢٩٨٩ - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا - أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ - صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي كما رجحه الحافظ ابن حجر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكون ثانيه (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كل سلامى) بضم السين وفتح الميم مقصور الأنملة من أنامل الأصابع (من الناس) أو كل عظم مجوّف من صغار العظام. قال التوربشتي: وفي معناه خلق الإنسان على ثلاثمائة وستين مفصلاً عليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة. وقال في الفتح: والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى شكرًا له بأن جعل لعظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط وخصّت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي اهـ.
وقال البيضاوي: المعنى أن على كل مفصل من عظام يصبح سليمًا من الآفات باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله صدقة شكرًا لمن صوّره ووقاه عما يغيره ويؤذيه اهـ.
وكل سلامى مبتدأ مضاف ومن الناس صفة لسلامى (عليه صدقة) جملة من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأوّل.
فإن قلت: كان القياس أن يقول عليها لأن السلامى مؤنثة؟ أجيب: بأنه جاء على وفق لفظ كل أو أنه ضمن لفظ سلامى معنى العظم أو المفصل وأعاد الضمير عليه كذلك.
(كل يوم تطلع فيه الشمس) بنصب كل على الظرفية (يعدل) المسلم المكلف أي يصلح بالعدل (بين الاثنين صدقة) بفتح أوّل يعدل وكسر ثالثه وهو مبتدأ تقديره أن يعدل مثل قوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (ويعين) المسلم المكلف (الرجل) أي يساعده (على دابته فيحمل عليها) الراكب وقوله فيحمل بفتح المثناة التحتية وسكون الحاء المهملة (أو يرفع عليها متاعه صدقة).
وهذا موضع الترجمة فإنه يدخل فيها الأخذ بالركاب وغيره