وإنما احتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين اهـ.
وتعقبه العيني فقال: الذي يقتضيه حق التركيب يرد ما قاله على ما لا يخفى، والذي حمله على ذكر علي بن المبارك في السند الذي يأتي عقب هذا وهذا في غاية البعد على ما يخفى. غاية ما في الباب أن السند الذي فيه علي بن المبارك يظهر أنه تابع معمرًا في روايته في نفس الأمر لا في الظاهر لأن التركيب لا يساعد ما قاله أصلاً فافهم اهـ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدود البصري ثقة كان له عن يحيى بن أبي كثير
كتابان: أحدهما سماع والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء لكن أخرج له البخاري من رواية البصريين خاصة، وأخرج من رواية وكيع عنه حديثًا واحدًا توبع عليه (عن يحيى) بن أبي كثر (عن عكرمة) مول ابن عباس (عن أبي هريرة رضي الله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع بمتابعة عثمان بن عمر وقال: إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضًا.
١١٣ - باب الْجِلَالِ لِلْبُدْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَا يَشُقُّ مِنَ الْجِلَالِ إِلَاّ مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا
(باب الجلال للبدن) بكسر الجيم وهي ما يوضع على ظهورها وأحدها جل.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) مما وصل بعضه في الموطأ (لا يشق من الجلال إلا موضع السنام) بفتح السين لئلا يسقط وليظهر الإشعار لئلا يستر تحتها، وهذا يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمعروف أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره.
وأجيب: بأن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطواف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم الإخفاء.
(وإذا نحرها) أي أراد نحرها (نزع جلالها) عنها (مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها) قال نافع فيما رواه ابن المنذر: وربما دفعها إلى بني شيبة اهـ.
وأراد بذلك أن لا يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه.
١٧٠٧ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا". [الحديث ١٧٠٧ - أطرافه في: ١٧١٦، ١٧١٦ م، ١٧١٧، ١٧١٨، ٢٢٩٩].
وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة بن عامر السوائي العامري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم عبد الله بن يسار المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة الإمام في التفسير (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي (عن علي -رضي الله عنه- قال): (أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أتصدق بجلال البدن التي) وفي رواية الذي (نحرت) بفتح النون والحاء وسكون الراء وضم الفوقية ولأبي الوقت: نحرت بضم النون وكسر الحاء وفتح الراء وسكون الفوقية (وبجلودها) ولابن عساكر: وجلودها بإسقاط حرف الجر وفيه استحباب تجليل البدن والتصدق بذلك الجل. نقل القاضي عياض عن العلماء: أن التجليل
يكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم وأن تشق الجلال عن الأسنمة إن كانت قيمتها قليلة فإن كانت نفيسة لم تشق. قال صاحب الكواكب: وفيه أنه لا يجوز بيع الجلال ولا جلود الهدايا والضحايا كما هو ظاهر الحديث إذ الأمر حقيقة في الوجوب اهـ.
وتعقبه في اللامع فقال: فيه نظر فذلك صيغة أفعل لا لفظ أمر. وهذا الحديث أخرجه في الحج أيضًا وكذا مسلم وابن ماجة.
١١٤ - باب مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا
(باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها) أنث الضمير باعتبار ما صدق عليه الهدي وهو
البدنة وللأصيلي وقلده بالتذكير باعتبار الهدي، وقد سبق هذا الباب بترجمته لكنه زاد عنا ذكر
التقليد، وأورد فيه الحديث من وجه آخر فرحمه الله على حسن صنيعه ما أدق نظره وأوسع اطلاعه.
١٧٠٨ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- الْحَجَّ، عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما-، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَاّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ، حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المندر) الحزامي المدني قال: (حدّثنا أبو ضمرة) عياض الليثي المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن نافع) مو ابن عمر المدني (قال: أراد ابن عمر -رضي الله عنهما- الحج عام حجة الحرورية) سنة أربع وستين وهي السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية. والحرورية بفتح الحاء وضم الراء الأولى نسبة إلى قرية من قرى الكوفة كان