ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وقد كانت المؤاخاة مرتين الأولى بين المهاجرين بعضهم وبعض بمكة قبل الهجرة على الحق والمواساة فآخى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وبين حمزة وزيد بن حارثة -رضي الله عنهما-، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-، وبين الزبير وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وبين عليّ ونفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه- فكانوا يتوارثون
بذلك دون القرابات حتى نزلت وقت وقعة بدر:{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض}[الأحزاب: ٦] فنسخ ذلك وكانت المؤاخات بعد بناء المسجد وقيل والمسجد يبنى وقال ابن عبد البر: بعد قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة بخمسة أشهر، وقال ابن سعد: آخى بين مائة منهم خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار، وعند ابن إسحاق أنه قال لهم: تآخوا في الله عز وجل أخوين أخوين.
وفي مشروعية التواخي في الله عز وجل بصحبة الصلحاء وأخوّتهم كما قال في قوت الأحياء: عون كبير، وتأمل تأثير الصحبة في كل شيء حتى الحطب بصحبة النجار يعتق من النار فعليك بصحبة الأخيار بشروطها التي منها دوام صفائهم ووفائهم وعقد الأخوّة وأخيتك في الله عز وجل وأسقطنا الحقوق والكلفة ويقول الآخر: مثله ويدعوه بأحب أسمائه ويثني عليه ويذب عنه ويدعو له أبدًا في غيبته ولا يسمع فيه ولا في مسلم سوءًا ولا يصادق عدوّه وتفرّق كل على ودّ صاحبه ورعايته شرط لحديث "ورجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه" وبسط ذلك في موضعه ويكفي ما نقلته إذ هو جامع لأصوله.
وبه قال:(حدّثني) بالإفراد (حامد بن عمر) بن حفص البكراوي (عن بشر بن المفضل)
بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم وتشديد الضاد المعجمة ابن لاحق الرقاشي قال:(حدّثنا حميد) الطويل قال: (حدّثنا أنس) - رضي الله تعالى عنه - (أن عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي (بلغه مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث) من المسائل (لا يعلمهن إلا نبيّ: ما أول أشراط الساعة) أي علاماتها (وما أول طعام يأكله أهل الجنة) فيها (وما بال الولد ينزع) بكسر الزاي (إلى أبيه أو إلى أمه؟) أي يشبههما (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أخبرني) بالإفراد (به) بالذي سألت عنه (جبريل آنفًا) بمد الهمزة هذه الساعدة (قال ابن سلام: ذاك) أي جبريل، ولأبي ذر: ذلك باللام (عدوّ اليهود من الملائكة. قال) عليه الصلاة والسلام: (أما أول أشراط) قيام (الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة) فيها (فزيادة كبد الحوت) وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أهنأ طعام وأمرؤه (وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد) بالنصب أي جذبه إليه (وإذا) ولأبي ذر فإذا (سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد) جذبته إليها (قال) ابن سلام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم إنه (قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت) بضم الموحدة والهاء مصححًا عليها في الفرع كأصله جمع بهيت كقضيب وقضب الذي يبهت القول فيما يفتريه عليه ويختلقه (فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي) ولأبي ذر إسلامي بإسقاط الجار (فجاءت اليهود، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ النبي إلخ لأبي ذر (أي رجل عبد الله بن سلام فيكم) وسقط ابن سلام لأبي ذر (قالوا: خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أرأيتم) أي أخبروني (إن أسلم عبد الله بن