إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورًا حتى يظهر ذلك السرور في أسرّة وجهه ويتهلّل والاشمئزاز أن يمتلئ غيظًا وغمًّا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه.
({بمفازتهم}) مفعلة (من الفوز) أي ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة. وقرأ الأخوان وشعبة بمفازاتهم بالجمع لأن النجاة أنواع والمصادر إذا اختلفت أنواعها جمعت.
({حافين}) في قوله تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش}[الزمر: ٧٥] أي (أطافوا به) حال كونهم (مطيفين) دائرين (بحفافيه) بكسر الحاء المهملة مصححًا عليها في الفرع كأصله وكذا قال العيني كفتح الباري والبرماوي والكرماني بكسرها وفاءين مفتوحتين مخففتين بينهما ألف تثنية حفات وفي الناصرية بفتح الحاء أي (بجوانبه) قال الليث حف القوم بسيدهم يحفون حفًّا إذا طافوا به ولأبي ذر عن المستملي بجانبيه بدل بحفافيه وسقط بجوانبه لأبي ذر.
({متشابهًا}) في قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا}[الزمر: ٢٣](ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضًا في التصديق) والحسن ليس فيه تناقض ولا اختلاف.
هذا (باب) بالتنوين (قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا}) في المعاصي ({على أنفسهم لا تقنطوا}) لا تيأسوا ({من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا}) الكبائر وغيرها الصادرة عن المؤمنين ({إنه هو الغفور}) لمن تاب ({الرحيم})[الزمر: ٥٣] بعد التوبة لمن أناب، لكن قال القاضي ناصر الدين تقييده بالتوبة خلاف الظاهر وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين كما هو عرف القرآن، وفي الآية من أنواع المعاني والبيان إقباله عليهم ونداؤهم وإضافتهم إليه إضافة تشريف والالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله من رحمة الله وإضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى وإعادة الظاهر بلفظه في قوله إن الله وإبراز الجملة من قوله:{إنه هو الغفور الرحيم} مؤكدة بأن إعادة الصفتين السابقتين والذين أسرفوا عامّ في جميع المسرفين ويغفر الذنوب جميعًا شامل لكبائرها وصغائرها فتغفر مع التوبة أو بدونها خلافًا للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أنه يعفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها، وجمهور أصحابنا أنه يعفو عن بعض الكبائر مطلقًا ويعذب ببعضها إلا أنه لا علم لنا الآن بشيء من هذين البعضين بعينه. وقال كثير منهم لا نقطع بعفوه عن الكبائر بلا توبة بل نجوّزه واحتج الجمهور بوجهين الأول أن العفو لا يعذب على الذنب مع استحقاق العذاب ولا تقول المعتزلة بذلك الاستحقاق في غير صورة النزاع إذ لا استحقاق بالصغائر أصلًا بالكبائر بعد التوبة فلم يبق إلا الكبائر قبلها فهو يعفو عنها كما ذهبنا إليه الثاني الآيات الدالّة على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[النساء: ٤٨] فإن ما عدا الشرك داخل فيه ولا يمكن التقييد بالتوبة لأن الكفر معفوّ معها فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما أثبت له وذلك مما لا يليق بكلام عاقل فضلًا عن كلام الله تعالى وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا}[الزمر: ٥٣] عامّ للكل فلا يخرج عنه إلا ما أجمع عليه وسقط قوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} الخ لأبي ذر ولفظ باب لغيره.
وبه قال:(حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم) قال: (قال يعلى) هو ابن مسلم بن هرمز كما في مسلم (أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن ناسًا من أهل الشرك) سمى الواقدي منهم وحشي بن حرب قاتل حمزة وكذا هو عند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر (كانوا قد قتلوا وأكثروا) من القتل (وزنوا وأكثروا) من الزنا (فأتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه) من الإسلام (لحسن) وفي نسخة به بدل إليه (لو تخبرنا إن لما) أي للذي (عملنا) من الكبائر (كفارة فنزل {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله})