للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونصب الغيث،

مفعوله الثاني (فأطبقت) أي: دامت وتواترت (عليهم سبعًا) أي: سبعة أيام، وسقطت التاء لعدم ذكر المميز. فإنه يجوز فيه الأمران حينئذ.

وفي تفسير سورة الدخان، من رواية أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، في هذا الحديث: فقيل: يا رسول الله! استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: لمضر: إنك لجريء، فاستسقى فسقوا. اهـ.

والقائل: يا رسول الله، الظاهر أنه أبو سفيان، لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين: فجاء أبو سفيان، وإنما قال: لمضر، لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز.

وكان الدعاء بالقحط على قريش، وهم سكان مكة، فسرى القحط إلى من حولهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش، لئلا يذكره بجرمهم. فقال: لمضر، ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أن غير المدعوّ عليهم قد هلكوا بجريرتهم.

وقوله لمضر: إنك لجريء: أي: أتطلب أن أستسقي لهم مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به.

وفي دلائل البيهقي عن كعب بن مرة، أو مرة بن كعب، قال: دعا رسول الله على مضر،

فأتاه أبو سفيان بمكة، فقال: ادع الله لقومك، فإنهم قد هلكوا.

ورواه أحمد، وابن ماجة، عن كعب بن مرة قال: جاءه رجل فقال: استسق الله لمضر. فقال: إنك لجريء ألمضر؟ قال: يا رسول الله، استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك. فرفع يديه فقال "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريعًا طبقًا، عاجلاً غير رائث، نافعًا غير ضار … " الحديث. فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له: إنك لجريء، هو أبو سفيان.

وأخرج أحمد أيضًا، والحاكم، عن كعب بن مرة أيضًا، قال: دعا رسول الله على مضر،

فأتيته، فقلت: يا رسول الله! إن الله قد نصرك، وأعطاك، واستجاب لك. وإن قومك قد هلكوا … الحديث. فظهر أن فاعل قال: يا رسول الله في الحديث الذي قبل هذا، هو: كعب بن

مرة. راويه، وعلى هذا فكأن أبا سفيان وكعبًا حضرًا جميعًا. فكلمه أبو سفيان بشيء، فدلّ على اتحاد قصتهما.

وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك، من قوله: إنك لجريء. وغير ذلك. وسياق كعب بن مرة مشعر بأن ذلك وقع بالمدينة، لقوله: استنصرت الله فنصرك، ولا يلزم من هذا اتحاد هذه القصة مع قصة أنس السابقة، فهي واقعة أخرى، لأن في رواية أنس: فلم ينزل عن المنبر حتى مطروا. وفي هذه: فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا.

والسائل في هذه القصة، غير السائل في تلك. فهما قصتان، وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء، ثم طلب الدعاء بالاستصحاء. كذا قرره الحافظ ابن حجر، رادًّا به على من غلط أسباط بن نصر في هذه الزيادة، ونسبه إلى أنه أدخل حديثًا في آخر. فقال:

وإن قوله: فسقوا الغيث، إنما كان في قصة المدينة التي رواها أنس، لا في قصة قريش.

وأجاب البرماوي بأن المعنى: أن سفيان يروي عن منصور واقعة مكة، وسؤال أهل مكة وهو بها قبل الهجرة، وزاد عليه أسباط، عن منصور، ذكر الواقعتين، لا أن الثانية مسببة عن الأولى، ولا أن السؤال فيهما معًا كان بالمدينة. اهـ.

(وشكا الناس) إليه (كثرة المطر، قال) وللأربعة، فقال:

(اللهم) أنزل المطر (حوالينا ولا) تنزله (علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم) برفع الناس على البدل من الضمير، أو فاعل على لغة: أكلوني البراغيث. ويجوز النصب على الاختصاص، أي: أعني الناس الذين في المدينة وحولها.

١٤ - باب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ "حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"

(باب الدعاء إذا كثر المطر "حوالينا ولا علينا") بإضافة باب لتاليه.

١٠٢١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا (مَرَّتَيْنِ). وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى. فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا. فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا. فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا، وَلَا تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ".

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر، وأبي الوقت، بالتوحيد (محمد بن أبي بكر) المقدمي الثقفي البصري (قال: حدّثنا معتمر) هو: ابن سليمان التيمي (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم العمري (عن ثابت) البناني (عن أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، ، أنه (قال):

(كان النبي) ولأبي ذر: رسول الله (، يخطب يوم جمعة) بالتنكير، ولأبي ذر، في نسخة،

وابن عساكر: يوم الجمعة (فقام) إليه (الناس، فصاحوا فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر) بفتح القاف والحاء والطاء، أي: احتبس (واحمرت الشجر) أي: تغير لونها من الخضرة إلى الحمرة من اليبس، وأنث الفعل باعتبار

<<  <  ج: ص:  >  >>