للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه (قال: نعم. قال) الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق (أن لا تشرك بي فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا. (إلا الشرك).

هذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة الجنة والنار أواخر الرقاق ومسلم في التوبة.

٣٣٣٥ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَاّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». [الحديث ٣٣٣٥ - طرفاه في: ٦٨٦٧، ٧٣٢١].

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(لا تقتل نفس) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية مبنيًا للمفعول من بني آدم (ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل حيث قتل أخاه هابيل (كفل) بكسر الكاف وإسكان الفاء نصيب (من دمها لأنه أول من سنّ القتل) على وجه الأرض من بني آدم.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن القاتل قابيل ولد آدم من صلبه فهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة، والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات والاعتصام، ومسلم في الحدود، والترمذي في العلم، والنسائي في التفسير، وابن ماجه في الدّيات.

٢ - باب الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الأرواح جنود مجندة) ومناسبته لسابقه من حيث إن بني آدم مركبة من الأجساد والأرواح.

٣٣٣٦ - قَالَ: وقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا.

(قال) أي المؤلّف فيما وصله في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح. (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرَّحمن (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):

(الأرواح) التي يقوم بها الجسد وتكون بها الحياة (جنود مجندة) أي جموع مجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف منها) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (ائتلف وما تناكر منها) لم يوافق ولم يناسب (اختلف). والمراد الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد أي أنها خلقت أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف إذا تقابلت وتواجهت، ومعنى تقابلها ما جعله الله عليها من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق، فإذا تلاقت الأجساد التي فيها الأرواح في الدنيا ائتلفت على حسب ما خلقت عليه، ولذا ترى الخيّر يحب الأخيار ويميل إليهم، والشرّير يحب الأشرار ويميل إليهم.

وقال الطيبي: الفاء في فما تعارف للتعقيب أتبعت المجمل بالتفصيل فدلّ قوله: ما تعارف على تقدّم اختلاط في الأزل ثم تفرق بعد ذلك في أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعد التعارف كمن فقد أنيسه وإلفه ثم اتصل به، وهذا التعارف إلهامات يقذفها الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة.

وفي حديث ابن مسعود عند العسكري مرفوعًا "الأرواح جنود مجندة تلتقي فتشامّ كما تشامّ الخيل فما تعارت منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فلو أن رجلاً مؤمنًا جاء إلى مجلس فيه مائة منافق وليس فيه إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقًا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه".

وللديلمي بلا سند عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "لو أن رجلاً دخل مدينة فيها ألف منافق ومؤمن واحد لشم روحه روح ذلك المؤمن وعكسه".

ولأبي نعيم في الحلية في ترجمة أويس أنه لما اجتمع به هرم بن حيان العبدي ولم يكن لقيه

وخاطبه أويس باسمه قال له هرم: من أين عرفت اسمي واسم أبي فوالله ما رأيتك ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نأت بهم الدار. وقال بعضهم: أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعد العبد تنافر التداني. ولبعضهم:

إن القلوب لأجناد مجندة ... قول الرسول فمن ذا فيه يختلف

فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف

والآخر:

بيني وبينك في المحبة نسبة ... مستورة في سرّ هذا العالم

<<  <  ج: ص:  >  >>