الغدوة (فحضرت الصلاة) أي المغرب (فدعا بطعام فلم يجده إلا سويقًا فلاك منه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلاكه (فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ) فلم يجعل الأكل منه ناقضًا للوضوء.
وهذا الحديث قد مرّ قريبًا.
١٠ - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ
(باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل) شيئًا مما يحضر بين يديه (حتى يسمى له) بفتح الميم المشددة مبنيًّا للمفعول. قال في التنقيح: قد يستشكل دخول النافي أي ما على النافي أي وهو لا وجوابه أن النفي الثاني مؤكد للأول، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن هنا نافيًا دخل على نافٍ بل لا زائدة لا نافية لفهم المعنى أو نقول ما مصدرية لا نافية وباب مضاف إلى هذا المصدر فالتقدير باب كون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل حتى يسمى له ذلك الشيء (فيعلم) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق بأن المقدرة (ما هو) لأنه ربما يكون ذلك مما يعافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لا يجوز أكله إذ ربما يكون المأتي به مطبوخًا فلا يتميز إلا بالسؤال عنه.
٥٣٩١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَيْمُونَةَ وَهْيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ: خَالِدٌ: فَاجْتَزَزْتُهُ فَأَكَلْتُهُ
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيَّ. [الحديث ٥٣٩١ - أطرافه في: ٥٤٠٠، ٥٥٣٧].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف الأنصاري أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي (الذي يقال له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ميمونة) أم المؤمنين (وهي خالته) أخت أمه لبابة الصغرى بنت الحارث (وخالة ابن عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (فوجد عندها ضبًّا محنوذًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم النون آخره معجمة مشويًّا (قدمت) ولأبي ذر: قد قدمت (به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها (أختها حفيدة بنت الحارث) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا (من نجد فقدمت الضب) وهو حيوان بري يشبه الحرذون لكنه كبير القدر وقد ذكر أنه لا يشرب الماء وأنه يعيش سبعمائة فصاعدًا (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان قلما يقدم يده) المقدسة (لطعام حتى يحدّث به ويسمى له) بفتح الدال والميم المشددتين فيهما (فأهوى) مدّ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قدّمتن له هو الضب يا رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني أخبري بالإفراد بدل قوله أخبرن والنسوة اسم جمع قاله أبو بكر بن السراج وقيل جمع تكسير من أوزان جموع القلة لا واحد له من لفظه ووزنه فعلة وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وقد نظمها بعضهم في قوله:
بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد
وقال الزمخشري: نسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي قال: ولذلك لا يلحق فعله إذا أسند إليه تاء التأنيث فتقول: قال نسوة وقيل إنه جمع كثرة فيجوز إلحاق العلامة وتركها كما تقول: قام الهنود وقامت الهنود وقد تضم نون النسوة فيكون إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف، وذكر أبو البقاء أنه قرئ بضمها في قوله تعالى: {وقال نسوة} [يوسف: ٣٠]. قال القرطبي: وهي قراءة الأعمش والمفضل والسلمي وقال غيره: ويكسر للكثرة على نسوان والنساء جمع كثرة لا واحد له من لفظه كذا قال أبو حيان، ومقتضى ذلك أن لا يكون النساء جميعًا لنسوة لقوله لا واحد له من لفظه.
فإن قلت: المطابقة بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث مطلوبة فكيف عبّر بجمع المذكر في قوله الحضور؟ أجيب: بأنه وقع باعتبار الأشخاص أو هو مصدر بمعنى الحاضرات.
قال في الكواكب: ولا يلزم من الإسناد إلى المضمر التأنيث. قال الجوهري في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: ٥٦] لم يقل قريبة لأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره، وقال السفاقسي: جاء به على معنى جمع النسوة فنعت عليه كقوله تعالى: {من الشجر الأخضر نارًا} [يس: ٨٠] والمرأة القائلة هي ميمونة كما عند الطبراني في الأوسط ومسلم