للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وإن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها.

[١٣ - باب]

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَفِى كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ عَلِىٌّ مِنَ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِى امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا: لَيْسَ إِلَاّ ذَلِكَ.

(باب قول الله تعالى {والسارق والسارقة}) ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف تقديره فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر ({فاقطعوا أيديهما}) [المائدة: ٣٨] أي يديهما. والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم رواه الترمذي ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى، والذي سرق والذي سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول تضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر، ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبًا إلا بطواعيتها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما. وقال القرطبي أبو عبد الله: أوّل من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أوّل سارق قطعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقطع أبو بكر يد الفتى الذي سرق العقد وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد الرَّحمن بن سمرة والسرقة بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها مع فتح السين وكسرها، والأصل في القطع بها قبل الإجماع الآية السابقة، وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة وسارق ومسروق فأما السرقة فهي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله فلا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد لنحو وديعة وعند الترمذي مما صححه ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع وأما السارق فشرطه أن يكون ملتزمًا للأحكام عالمًا بالتحريم مختارًا بغير إذن وأصالة فلا يقطع حربي ولو معاهدًا ولا صبي ومجنون ومكره ومأذون له وأصيل وجاهل بالتحريم قرب عهده بالإسلام أو بعد عن العلماء ويقطع مسلم وذمي بمال مسلم وذمي.

(و) أما المسروق فاختلف (في كم يقطع) فعند الشافعية في ربع دينار خالص أو قيمته، وعند المالكية يقطع بسرقة طفل من حرز مثله بأن يكون في دار أهله أو بربع دينار ذهبًا فصاعدًا أو ثلاثة دراهم فضة فأكثر فإن نقص فلا قطع وعند الحنفية عشر دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم مضروبة. وقال الحنابلة يقطع بجحد عارية وسرقة ملح وتراب وأحجار ولبن وكلا وسرجين طاهر وثلج وصيد لا بسرقة ماء وسرجين نجس ويقطع طرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه أو بعد سقوطه نصابًا وبسرقة مجنون ونائم وأعجمي لا يميز ولو كان كبيرًا.

(وقطع عليّ) -رضي الله عنه- (من الكف) وفي الفتح أن في نسخة من البخاري وقطع عليّ الكف بإسقاط حرف الجرّ وعند الدارقطني موصولاً أن عليًّا قطع من المفصل، وذكر الشافعي رحمه

الله في كتاب الاختلاف أن عليًّا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول: أستحيي من الله أن أتركه بلا عمل، وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقطع السارق الذي سرق رداء صفوان من المفصل أي مفصل الكوع قال ابن الرفعة: وادعى الماوردي أنه فعل مجمع عليه والمعنى فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولذا يجب في الكف دية اليد وفيما زاد حكومة.

(وقال قتادة) فيما وصله الإمام أحمد في تاريخه كما قاله مغلطاي في شرحه: (في امرأة سرقت فقطعت شمالها ليس إلا ذلك) فلا يقطع بعد ذلك يمينها والجمهور على أن أوّل شيء يقطع من السارق اليد اليمنى لقراءة ابن مسعود شاذة فاقطعوا أيمانهما والقراءة الشاذة كخبر الواحد في الاحتجاج بها فالقول بإجزاء لشمال مطلقًا شاذ كما هو ظاهر ما نقل هنا عن قتادة، وفي الموطأ إن كان عمدًا أوجب القصاص على القاطع ووجب قطع اليمنى

<<  <  ج: ص:  >  >>