بإجابتها (شفاعة لأمتي في الآخرة) في أهم أوقات حاجاتهم وهذا من كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في أحوالهم جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا دائمًا أبدًا.
والحديث من أفراده.
٦٣٠٥ - وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِى، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ نَبِىٍّ سَأَلَ سُؤْلاً» أَوْ قَالَ: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فَاسْتُجِيبَ فَجَعَلْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
(وقال معتمر): هو ابن سليمان التيمي ولغير أبي ذر وقال لي خليفة هو ابن خياط قال معتمر: (سمعت أبي) سليمان (عن أنس) ﵁ (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(كل في سأل سؤلاً) بضم السين وسكون الهمزة مطلوبًا (أو قال لكل نبي دعوة) في حق أمته والشك من الراوي (قد دعا بها فاستجيب) له في الدنيا وفي نسخة فاستجيبت بزيادة تاء التأنيث الساكنة آخره (فجعلت دعوتي) المجابة جزمًا (شفاعة لأمتي يوم القيامة). قال ابن الجوزي ﵀: هذا من حسن تصرفه ﷺ حيث اختار أن تكون فيما يبقى ومن كثرة كرمه أن آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أن جعلها للمذنبين لكونهم أحوج إليها من الطائعين.
والحديث رواه مسلم موصولاً.
٢ - باب أَفْضَلِ الاِسْتِغْفَارِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: ١٠].
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [نوح: ١٠].
(باب) بيان (أفضل الاستغفار) الاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشيء بما يصونه من الدنس، ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، وسقط لفظ باب لأبي ذر فأفضل رفع وإلاّ فضل الأكثر ثوابًا عند الله فالثواب للمستغفر لا للاستغفار فهو نحو: مكة أفضل من المدينة أي ثواب العابد فيها أفضل من ثواب العابد في المدينة فالمراد المستغفر بهذا النوع من الاستغفار أكثر ثوابًا من المستغفر بغيره قاله في الكواكب.
(وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور قبله (﴿استغفروا ربكم﴾) أي سلوه المغفرة لذنوبكم بإخلاص الإِيمان (﴿إنه كان غفارًا﴾) أي يزل غفار الذنوب من ينيب إليه (﴿يرسل السماء﴾) المطر قال:
إذا نزل السماء بأرض قوم … رعيناه وإن كانوا غضابا
أو فيه إضمار أي يرسل ماء السماء. (﴿عليكم مدرارًا﴾) يحتمل أن يكون حالاً من السماء
ولم يؤنث لأن مفعالاً يستوي فيه المذكر والمؤنث فتقول: رجل مخدام ومطراب وامرأة مطراب ومخدام وأن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي إرسالاً مدرارًا، وجزم يرسل جوابًا للأمر ومعنى مدرارًا ذا غيث كثير (﴿ويمددكم بأموال وبنين﴾) يزدكم أموالاً وبنين (﴿ويجعل لكم جنات﴾) بساتين (﴿ويجعل لكم أنهارًا﴾) [نوح: ١٠ - ١٢] جارية لمزارعكم وبساتينكم قال مقاتل: لما كذبوا نوحًا ﵇ زمانًا طويلاً حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت مواشيهم وزروعهم فساروا إلى نوح ﵇ واستغاثوا به فقال: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارًا﴾ [نوح: ١٠]. وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والمطر. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفارًا﴾ إلى آخر ذلك، وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال: استغفر الله وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بساتينه فقال له: استغفر الله فقلنا له في ذلك فقال: ما قلت من عندي شيئًا إن الله تعالى يقول في سورة نوح: ﴿استغفروا ربكم﴾ إلى آخر ذلك. وسياق الآية إلى آخر قوله: ﴿أنهارًا﴾ لغير رواية أبي ذر وله إلى قوله: ﴿غفارًا﴾ ثم قال: الآية.
(﴿والذين إذا فعلوا فاحشة﴾) فعلة متزايدة القبح خارجة عما أذن الله فيه أو الفاحشة الزنا (﴿أو ظلموا أنفسهم﴾) باكتساب أيّ ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به أو الفاحشة الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة كالقبلة واللمسة والنظرة، وقيل فعلوا فاحشة فعلاً أو ظلموا أنفسهم قولاً (﴿ذكروا الله﴾) بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة أو ذكروا وعبد الله أو عقابه فهو من باب حذف