للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المضاف أو ذكروا العرض الأكبر على الله (﴿فاستغفروا لذنوبهم﴾) فتابوا عنها لقبحها نادمين على فعلها، وهذا حقيقة التوبة فأما الاستغفار باللسان فلا أثر له في إزالة الذنب، وقوله لذنوبهم أي لأجل ذنوبهم: (﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾) من مبتدأ ويغفر خبره وفيه ضمير يعود إلى من وإلاّ الله بدل من الضمير في يغفر والاستفهام بمعنى النفي، والتقدير ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التائب وإشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم، وفي إسناده غفران الذنوب إلى نفسه المقدسة سبحانه وإثباته لذاته المقدسة بعد وجود الاستغفار وتنصل عبيده دلالة على وجوب ذلك قطعًا بحسب الوعد الذي لا خلف له (﴿ولم يصروا على ما فعلوا﴾) جملة حالية من فاعل استغفروا أي استغفروا غير مصرين أو الجملة منسوقة على فاستغفروا أي: ترتب على فعلهم الفاحشة ذكر الله تعالى والاستغفار لذنوبهم وعم الإِصرار عليها، وتكون الجملة من قوله: (﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾) على هذين الوجهين معترضة بين المتعاطفين على الوجه الثاني وبين الحال وذي الحال على الأول والمعنى ولم يقيموا على قبيح فعلهم (﴿وهم يعلمون﴾) [آل عمران: ١٣٥] حال من فاعل استغفروا أو من فاعل يصروا أي ولم يصروا على ما فعلوا من

الذنوب حال ما كانوا عالمين بكونها محرمة لأنه قد يعذر من لا يعلم حرمة الفعل، أما العالم بالحرمة فلا يعذر ومفعول يعلمون محذوف للعلم به تقديره يعلمون أن الله يتوب على من تاب أو تركه أولى أو أنها معصية أو أن الإصرار ضار أو أنهم إذا استغفروا غفر لهم، وسقط لأبي ذر من قولها ﴿ذكروا الله﴾ الخ وقال الآية بدل ذلك.

٦٣٠٦ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج التيمي المقعد المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا الحسين) بضم الحاء ابن ذكوان المعلم قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي قاضيها (عن بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح المعجمة (العدوي) ولأبي ذر قال: حدثني بالإفراد بشير بن كعب العدوي (قال: حدثني) بالإفراد (شداد بن أوس) الأنصاري ( عن النبي ) أنه قال:

(سيد الاستغفار) ترجم البخاري بالأفضلية، والحديث بلفظ السيادة فكأنه كما في الفتح أشار إلى أن المراد بالسيادة الأفضلية والسيد هنا مستعار من الرئيس المقدم الذي يعتمد عليه في الحوائج ويرجع إليه في الأمور كهذا الدعاء الذي هو جامع لمعاني التوبة كلها (أن تقول) بصيغة المخاطب في الفرع. وقال في الفتح: أن يقول العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي: إن سيد الاستغفار أن يقول العبد: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) كذا في الفرع وأصله أنت مرة واحدة. وقال الحافظ ابن حجر: أنت أنت بالتكرير مرتين وسقطت الثانية من معظم الروايات (وأنا عبدك) قال في شرح المشكاة: يجوز أن تكون حالاً مؤكدة وأن تكون مقدرة أي أنا عابد لك كقوله تعالى: ﴿وبشرناه بإسحق نبيًّا من الصالحين﴾ [الصافات: ١١٢] وينصره عطف قوله: (وأنا على عهدك ووعدك) أي ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك (ما استطعت) من ذلك. وفيه إشارة إلى الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى. وقد يكون المراد كما قاله ابن بطال بالعهد العهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ﴿ألست بربكم﴾ [الأعراف: ١٧٢] فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية وبالوعد كما قال

على لسان نبيه : إن من مات لا يشرك بالله شيئًا وأدى ما افترض عليه أن يدخله الجنة. (أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء) بضم الموحدة وسكون الواو بعدها همزة ممدودًا أعترف (لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي) أعترف به أو أحمله برغمي فلا أستطيع صرفه عني، ولأبي ذر عن الكشميهني وأبوء لك بذنبي (اغفر لي) ولأبي ذر

<<  <  ج: ص:  >  >>