(يا أنس كتاب الله القصاص) بالرفع مبتدأ وخبر قال تعالى: ﴿والسن بالسن﴾ إن قلنا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (فرضي القوم) فتركوا القصاص عن الربيع (وقبلوا الأرش فقال رسول الله ﷺ إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) في قسمه.
وهذا الحديث قد سبق في باب الصلح في الدّية من كتاب الصلح.
٧ - باب ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿يا أيها الرسول بلغ﴾) جميع (﴿ما أنزل إليك من ربك﴾) [المائدة: ٦٧] إلى كافة الناس مجاهرًا به غير مراقب أحدًا ولا خائف مكروهًا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم: لما نزلت يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك قال: يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ؟ فنزلت ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ أي فإن أهملت شيئًا من ذلك فما بلغت رسالته لأن ترك إبلاغ البعض محبط للباقي لأنه ليس بعضه أولى من بعض وبهذا تظهر المغايرة بين الشرط والجزاء.
قال ابن الحاجب: الشرط والجزاء إذا اتحدا كان المراد بالجزاء المبالغة فوضع قوله فما بلغت رسالته موضع أمر عظيم أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا.
وقال في الانتصاف قال: وإن لم تفعل ولم يقل وإن لم تبلغ ليتغايرًا لفظًا وإن اتحدا معنى وهي أحسن بهجة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان وقدّر المضاف وهو قوله جميع ما أنزل لأنه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلغًا، فعلى هذا فائدة الأمر المبالغة والكمال يعني ربما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك فبلغ الكل ولا تخف.
وقال الراغب فيما حكاه الطيبي فإن قيل: كيف قال وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك تكون في حكم من لم يبلغ شيئًا مما أنزل الله بخلاف ما قالت الشيعة، إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية. وعن بعض الصوفية ما يتعلق به مصالح العباد وأمر بإطلاعهم عليه فهو منزه عن كتمانه، وأما ما خص به من الغيب ولم يتعلق به مصالح أمته فله بل عليه كتمانه.
٤٦١٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ الآيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة ﵂) أنها (قالت: من حدثك أن محمدًا ﷺ كتم شيئًا مما أنزل عليه) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الكشميهني مما أنزل الله عليه (فقد كذب والله يقول ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك﴾ الآية) وسقط لفظ من ربك لغير أبي ذر.
وفي الصحيحين عنها: لو كان محمد ﷺ كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه﴾ [الأحزاب: ٣٧] وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا كما ثبت في صحيح مسلم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف هنا مختصرًا وفي مواضع أخر مطولًا، ومسلم في كتاب الإيمان، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طريق عن الشعبي.
٨ - باب قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]
(باب قوله) ﷿ (﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم﴾) [المائدة: ٨٩] هو قول المرء بلا قصد لا والله وبلى والله، وهذا مذهب الشافعي، وقيل الحلف على غلبة الظن وهو مذهب أبي حنيفة، وقيل اليمين في الغضب، وقيل في النسيان، وقيل الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس، والصحيح أنه اليمين من غير قصد.
٤٦١٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ.
[الحديث ٤٦١٣ - طرفه في: ٦٦٦٣].
وبه قال: (حدّثنا علي بن سلمة) بفتح اللام اللبقي بفتح اللام والموحدة المخففة وبعد القاف تحتية وللحموي والكشميهني علي بن عبد الله قيل وهو خطأ قال: (حدّثنا مالك بن سعير) بسين مضمومة فعين مفتوحة مهملتين مصغرًا ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها سين مهملة الكوفي صدوق وضعفه أبو داود، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات وكلاهما قد توبع عليه عنده، وروى له أصحاب السنن قال