من تهامة إلى العراق (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال) بضم المثلثة وتخفيف الميم في الأوّل وضم الهمزة وتخفيف المثلثة في الثاني (فربطوه بسارية من سواري المسجد) لينظر حسن صلاة السلمين واجتماعهم عليها فيرقّ قلبه.
وهذا الحديث سبق قريبًا في باب الاغتسال إذا أسلم، واختصره هنا مقتصرًا على مراد الترجمة وهو دخول المشرك المسجد، وعند الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره فيمنع من دخوله لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: ٢٨] بخلاف سائر المساجد فإنه لا يمنع منه لهذا الحديث، ولأن ذات المشرك ليست بنجسة فيدخل بإذن المسلم، وعن الحنفية الجواز مطلقًا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقًا تعظيمًا لشعائر الله تعالى، ويأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى بعونه عز وجل في المغازي.
٨٣ - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ
(باب) حكم (رفع الصوت في المساجد) هل هو ممنوع أم لا؟ ولأبي ذر في المسجد بالإفراد.
٤٧٠ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا -أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا-؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدّثنا الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية آخره دال مهملة مصغرًا ويقال له
الجعد (بن عبد الرحمن) بن أوس (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن خصيفة) بخاء معجمة مضمومة وصاد مهملة مفتوحة وبالفاء نسبة لجدّه واسم أبيه عبد الله (عن السائب بن يزيد) بالسين المهملة الكندي الصحابي، وهو عمّ يزيد بن خصيفة (قال):
(كنت قائمًا) بالقاف وفي نسخة نائمًا بالنون، ويؤيده رواية حاتم عند الإسماعيلي عن الجعيد بلفظ: كنت مضطجعًا (في المسجد فحصبني) أي رماني بالحصباء (رجل فنظرت) إليه (فإذا عمر بن الخطاب) رضي الله عنه حاضر أو واقف، (فقال) أي عمر للسائب: (اذهب فائتني بهذين) الشخصين وكانا ثقفيين كما في رواية عبد الرزاق (فجئته بهما. قال) أي عمر رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت فقال: (من) ولأبي الوقت وابن عساكر ممن (أنتما أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف.
قال) عمر رضي الله عنه: (لو كنتما من أهل البلد) أي المدينة (لأوجعتكما) جلدًا (ترفعان) جواب عن سؤال مقدّر كأنهما قالا: لم توجعنا؟ قال: لأنكما ترفعان (أصواتكما في مسجد رسول الله) وللأصيلي في مسجد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عبّر بأصواتكما بالجمع دون صوتيكما بالتثنية لأن المضاف المثنى معنى إذا كان جزء ما أضيف إليه، فالأصح أن يذكر بالجمع كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: ٤) وإن لم يكن جزأه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان سيفيهما فإن من اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كقوله عليه الصلاة والسلام (يعذبان في قبورهما) وإنما قال عمر رضي الله عنه لهما: من أين أنتما ليعلم أنهما إن كانا من أهل البلد وعلما أن رفع الصوت باللغط في المسجد غير جائز زجرهما وأدّبهما، فلما أخبراه أنهما من غير أهل البلد عذرهما بالجهل.
ورواة هذا الحديث ما بين مديني ومدني وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
٤٧١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ. قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَاقْضِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب نعم في رواية أبي عليّ بن شبويه عن الفربري، حدّثنا أحمد بن صالح وبه جزم ابن السكن وهو مصري (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت وابن عساكر أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك) أن أباه (كعب بن مالك) الأنصاري السلمي المدني الشاعر (أخبره) (أنه تقاضى) أي طالب (ابن أبي حدرد) بالحاء المهملة المفتوحة والدالين المهملتين الساكنة أولاهما بينهما راء عبد الله بن سلامة (دينًا) أي بدين (له
عليه) ولأبوي ذر والوقت كان له عليه (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي أصواتهما، وللأصيلي حتى سمعهما أي كعبًا وابن أبي حدرد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته) جملة حالية اسمية ولم ينكر عليهما رفع أصواتهما في المسجد، لأن ذلك لطلب حق ولا بد فيه من رفع الصوت كما لا يخفى. وقال مالك: لا يرفع الصوت في المسجد بعلم ولا بغيره، وأجازه أبو حنيفة رحمه الله، (فخرج إليهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-