الخطاب -رضي الله عنهما- (يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء وعمرو بفتح العين وزيد هذا والد سعيد بن زيد العدوي أحد العشرة المبشرة بالجنة (بأسفل بلدح) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الدال آخره حاء مهملتين منصرف ولأبي ذر غير منصرف اسم موضع بالحجاز قريب من مكة (وذاك قبل أن ينزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي) وكان زيد في الجاهلية يتعبد على دين إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقدم إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سفرة فيها لحم) بفتح قاف فقدم والضمير في إليه لزيد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع فاعل أو سفرة مفعول ولأبي ذر عن الكشميهني فقدم بضم القاف مبنيًّا للمفعول إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سفرة وجمع بينهما بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزيد (فأبى) فامتنع زيد (أن يأكل منها ثم قال): مخاطبًا للقوم الذين قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما) ولابن عساكر إلا ما (ذكر اسم الله عليه) عند ذبحه. قال السهيليّ: إنما قال زيد ذلك برأي منه لا بشرع بلغه فإن الذي في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا ما ذبح لغير الله وتعقب بأن الذي في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام تحريم ما ذبح لغير الله تعالى وقد كان عدوّ الأصنام وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما. قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطوّلًا وفيه فقال زيد إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. وقوله ذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة وإنما هي من آلاف الحجارة التي يذبح عليها.
فإن قلت: هل أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك؟ أجيب: بأن جعله في سفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يدل على أنه أكل منه وكم من شيء يوضع في سفرة المسافر مما لم يأكل هو منه وإنما لم ينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من معه عن أكله لأنه لم يوح إليه بعد ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريمًا ولا تحليلًا، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل من ذبائحهم التي يذبحونها لأصنامهم فأما ذبائحهم التي يذبحونها لمآكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه عنها وقد كان بين ظهرانيهم مقيمًا ولم يذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة، وقد أباح الله تعالى لنا طعام أهل الكتاب والنصارى والمشركون يذبحون ويشركون في ذلك بالله قاله الخطابي.
وهذا الحديث قد سبق مطوّلًا في آخر المناقب في باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل.
وبه قال:(حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأسود بن قيس) العبدي الكوفي (عن جندب بن سفيان) هو جندب بن عبد الله بن سفيان (البجلي) بفتح الموحدة والجيم أنه (قال: ضحينا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أضحية) بضم الهمزة وتشديد التحتية ولأبي ذر وابن عساكر أضحاة مفرد الأضحى كالأرطأة والأرطى (ذات يوم) من باب إضافة المسمى إلى اسمه (فإذا أناس) بهمزة مضمومة ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا أناس (قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فلما انصرف) من الصلاة (رآهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله) يحتمل أن يكون المراد الإذن في الذبح أو الأمر بالتسمية عليه ويؤخذ من الحديث أن وقت الأضحية من مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات من طلوع الشمس، والأفضل تأخيرها إلى مضيّ ذلك من ارتفاعها كرمح خروجًا من الخلاف.