فرجمناه (فلما أذلقته) بالذال المعجمة الساكنة والقاف أقلقته أو أوجعته. وقال النووي: أي أصابته بحدّها (الحجارة جمز) بفتح الجيم والميم والزاي وثب مسرعًا وليس بالشديد العدو بل كالقفز، وفي حديث أبي سعيد فاشتد واشتددنا خلفه (حتى أدركناه بالحرة) خارج المدينة (فرجمناه) زاد في الرواية السابقة في باب الرجم بالمصلّى حتى مات. وعند الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: في قصة ماعز: فلما وجد مسّ الحجارة فرّ يشتد حتى مرّ برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات. وعند أبي داود والنسائي من رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه في هذه القصة وجد مسّ الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له وظيف بعير فرماه به فقتله. قال في الفتح: وظاهر هذا يخالف رواية أبي هريرة أنهم ضربوه معه ويجمع بأن قوله فقتله أي كان سببًا في قتله.
وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز لأنه استمر على طلب إقامة الحدّ عليه مع توبته ليتم تطهيره ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أن لا يستمر، على الإقرار بما يقتضي إزهاق نفسه فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها، وفيه التثبت في إزهاق نفس المسلم والمبالغة في صيانته لما وقع في هذه القصة من ترديده والإيماء إليه بالرجوع والإشارة إلى قبول دعواه إن ادعى خطأ في معنى الزنا ومباشرة دون الفرج مثلاً وأن إقرار المجنون لاغ.
وبه قال:(حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من في الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أي من فمه وعند الحميدي عن سفيان حدّثنا الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (قالا: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو جالس في المسجد (فقام رجل) أي من الأعراب كما في الشروط ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه ولا على اسم خصمه (فقال): يا رسول الله (أنشدك الله) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة والدال المهملة أي أسألك الله أي بالله ومعنى السؤال هنا القسم كأنه قال: أقسمت عليك بالله أو معناه ذكرتك بتشديد الكاف وحينئذٍ فلا حاجة لتقدير حرف الجر فيه، ولذا قال الفارسي: أجروه مجرى ذكرتك وإذا قلنا معناه سأل كان متعديًا لمفعولين ليس ثانيهما المجرور بالباء لفظًا أو تقديرًا كما يتوهمه كثير بل مفعوله الثاني ما يأتي بعده فإذا قلت: أنشدك الله أن تكرمني فالمصدر المؤوّل من أن تكرمني هو مفعوله الثاني وقس على ذلك، ولو قلنا معناه ذكرتك الله فالمراد به الإِقسام عليه فهذان مفعولاه، وحينئذٍ فما بعد على تقدير حرف جر. فإذا قيل: نشدتك الله أن تكرمني كان معناه ذكرتك الله في إكرامي، ثم إن العرب تأتي بعد هذا التركيب بإلاّ مع أن صورة لفظه إيجاب ثم يأتون بعده بفعل ولا يستثنى فيقولون: أنشدك الله إلا فعلت كذا، وذلك لأن المعنى على النفي والحصر فحسن الاستثناء، وأما وقوع الفعل بعد إلا فعلى تأويله بالمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إلى ذلك وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم كما قاله صاحب المفصل. قال: وقد أوقع الفعل المتعدي موقع الاسم المستثنى في قوله: أنشدك الله إلا ما فعلت، وتعقبه البرماوي بأن تقييده بالفعل المتعدي لا معنى له. قال أبو حيان: فهو كلام يعنون به النفي المحصور فيه المفعول. قال: وقد صرح بما المصدرية مع الفعل بعد إلا يعني كما وقع في هذا الحديث بعد أنشدك (إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله) أي لا أسألك بالله إلا القضاء بيننا بكتاب الله.
قال في العدّة في المسألة مذهبان آخران حكاهما أبو حيان. أحدهما أن إلا جواب القسم لأنها في الكلام على معنى الحصر فدخلت هنا لذلك المعنى كأنك قلت: نشدتك بالله لا تفعل شيئًا إلا كذا فحذف الجواب وترك ما يدل عليه، والثاني قاله في البسيط أن إلا أيضًا جواب