للقسم، لكن على أن الأصل نشدتك الله لتفعلنّ كذا ثم أوقعوا موقع المضارع الماضي ولم يدخلوا لام التوكيد لأنها لا تدخل على الماضي فجعلوا بدلها إلا وحملوها عليها فتلخص أن الاستثناء في هذا التريب مفرّغ، وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله أو أن المراد به حكم الله المكتوب على المكلفين من الحدود والأحكام إذا الرجم ليس في القرآن، ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظًا وإنما سألا أن يحكم بينهما بحكم الله، وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالنصائح والترغيب فيما هو الأرفق بهما إذ للحاكم أن يفعل ولكن برضا الخصمين.
(فقام خصمه وكان أفقه منه) يحتمل كما قال الحافظ الزين العراقي أن يكون الراوي كان عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقًا أو في هذه القضية الخاصة أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أوّلاً وترك رفع صوته إن كان الأوّل رفعه، والخصم في الأول مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه، ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا يطلق على الواحد والاثنين والأكثر بلفظ واحد مذكرًا كان المخاصم أو مؤنثًا لأنه بمعنى ذو كذا على قول البصريين في رجل عدل ونحوه قال تعالى:{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب}[ص: ٢١] وربما ثني وجمع للتنبيه على فائدة تراد في الكلام نحو لا تخف خصمان ونحو ذلك (فقال): يا رسول الله (افض بيننا بكتاب الله وائذن لي) أي في أن أتكلم وفي رواية ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(قل قال: إن ابني كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء أجيرًا (على هذا) أبي عنده أو على بمعنى اللام كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}. قال الكرماني، وتبعه العيني والبرماوي: وهذا القول الخ من جملة كلام الرجل أي الأول لا الخصم ولعله تمسك بقوله في الصلح، فقال الأعرابي إن ابني بعد قوله في أول الحديث جاء أعرابي، وتعقبه في فتح الباري كما سبق في الصلح بأن هذه الزيادة شاذة والمحفوظ ما في سائر الطرق كما في رواية سفيان هنا فالاختلاف فيه على ابن أبي ذئب (فزنى بامرأته) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها ولا اسم الابن (فافتديت منه بمائة شاة وخادم) بمائة شاة يتعلق بافتديت، ومنه أي الرجم والشاة تذكر وتؤنث وأصلها شاهة لأن تصغيرها شويهة وشوية والجمع شياه بالهاء تقول ثلاث شياه إلى العشرة فإذا جاوزت فالتاء فإذا كثرت قلت هذه شاء كثير بالهمزة ومن للبدلية كقوله تعالى:({أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}[التوبة: ٣٨] أي بدل الآخرة (ثم سألت رجالاً من أهل العلم) قال في الفتح: لم أقف على أسمائهم ولا على عددهم (فأخبروني أن على ابني جلد مائة) بإضافة جلد للاحقه كقوله: (وتغريب عام وعلى امرأته الرجم) لإِحصانها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: و) حق (الذي نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه متعلق حرف الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره) بتشديد النون للتأكيد ولأبي ذر بينكم بالجمع (المائة شاة والخادم ردّ عليك) وفي الصلح الوليدة ولا تنافي بينهما لأن الخادم يطلق على الذكر والأنثى، وقوله ردّ من إطلاق المصدر على المفعول أي مردود نحو نسج اليمن أي منسوجة لذلك كان بلفظ واحد للواحد والمتعدّد، وقوله المائة شاة هو على مذهب الكوفيين والمعنى أنه يجب رد ذلك إليك وفيه دليل على أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا يملك بل يجب رده على صاحبه. قال في العدة: وهو أجود مما استدل به البخاري من حديث بلال أوّه عين الربا لا تفعل فإن ذاك الحديث ليس فيه أمر بالرد إنما فيه النهي عن مثل هذا (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وهذا يتضمن أن ابنه كان بكرًا وأنه اعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه لا يقبل أو يكون أضمر اعترافه أي إن كان ابنك اعترف بالزنا فعليه جلد مائة وتغريب عام والسابق أوجه لأنه في مقام الحكم وقرينة اعترافه