(بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الغسل) هو بفتح الغين أفصح وأشهر من ضمها مصدر غسل وبمعنى الاغتسال، وبكسرها اسم لما يغسل به من سدر وخطمي ونحوهما، وبالضم اسم للماء الذي يغتسل به وهو بالمعنيين الأولين لغة سيلان الماء على الشيء وشرعًا سيلانه على جميع البدن، مع تمييز ما للعبادة عن العادة بالنيّة، ووقع في رواية الأكثر تأخير البسملة عن كتاب الغسل وسقطت من رواية الأصيلي، وعنده باب بدل كتاب وهو أولى لأن الكتاب يجمع أنواعًا، والغسل نوع واحد من أنواع الطهارة وإن كان في نفسه يتعدد.
ثم إن المؤلف افتتح كتاب الغسل بآيتي النساء والمائدة إشعارًا بأن وجوب الغسل على الجنب بنص القرآن فقال:(وقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل {وإن كنتم جنبًا فاطهّرُوا} أي فاغتسلوا، والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأنه يجري مجرى المصدر ({وإن كنتم مرضى}) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء فإن الواجد له كالفاقد أو مرضًا يمنعه من
الوصول إليه قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم نزلت في مريض من الأنصار لم يكن له خادم ولم يستطع أن يقوم ويتوضأ، {أو على سفر} طويلاً كان أو قصيرًا لا تجدونه فيه {أو جاء أحد منكم من الغائط} فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المطمئن من الأرض {أو لامستم النساء} أي ماسستم بشرتهن ببشرتكم، وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء وهو قول ابن مسعود وابن عمر وبعض التابعين، وقيل: أو جامعتموهن وهو قول عليّ، والثابت عن ابن عباس وعن أكثر الصحابة والتابعين {فلم تجدوا ماء} فلم تتمكنوا من استعماله إذ الممنوع عنه كالمفقود، ووجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، والحال المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر والجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان حاله، والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملاً، وكأنه قيل: وإن كنتم جنبًا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء ({فتيمموا صعيدًا طيبًا}) أي اقصدوا ترابًا أو ما يصعد من الأرض طاهرًا أو حلالاً ({فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}) أي من بعضه، ولذا قال أصحابنا لا بد أن يعلق باليد شيء من التراب ({ما يريد الله ليجعل عليكم}) بما فرض من الغسل والوضوء والتيمم ({من حرج}) ضيق ({ولكن يريد ليطهركم}) من الأحداث والذنوب فإن الوضوء تكفير لها، ({وليتم نعمته عليكم}) بيان ما هو مطهرة للقلوب والأبدان عن الآثام والأحداث ({لعلكم تشكرون})[المائدة: ٦] نعمتي فأزيدها عليكم.
(وقوله جل ذكره: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}) اجتنبوها حال السكر نزلت في جمع من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها عند ابن عوف وتقدم عليّ للإمامة وقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} رواه الترمذي وأبو داود، وقال الضحاك عنى به سكر النوم لا سكر الخمر. ({ولا جنبًا}) عطف على وأنتم سكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال ({إلا عابري سبيل}) مسافرين حين فقد الماء فإنه جائز للجنب حينئذ للصلاة أو المعنى لا تقربوا مواضع الصلاة في حال السكر ولا في حال الجنابة إلا حال العبور فيها فجاز المرور لا اللبث وعليه كلام أكثر السلف ({حتى تغتسلوا}) من الجنابة ({وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}) استدل به الحنفية على أنه لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزأه ({إن الله كان عفوًّا غفورًا})[النساء: ٤٣] يسهل ولا يعسر كذا ساق الآيتين بتمامهما في الفرع، وعند ابن عساكر ({فتيمموا}) إلى قوله: ({وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}) وفي رواية ({وإن كنتم جنبًا فاطهروا}) الآية، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والأصيلي {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} إلى قوله: {لعلكم تشكرون} وفي رواية {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} الآية إلى قوله: {إن الله كان عفوًّا