من حديث عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين عنه، عن أنس (لأنس) ﵁، وللأصيلي زيادة: ابن مالك، مستفهمًا له بالهمزة (أكان النبي ﷺ يصلي الضحى؟ قال) أنس: (ما رأيته صلاها إلاّ يومئذٍ) نفي رؤيته، لا يستلزم نفي فعلها، فهو كقول عائشة، ﵂: ما رأيته ﵊ يصلّيها. وقولها: كان يصلّيها أربعًا. فالمنفي رؤيتها له، والمثبت فعله لها، بأخباره أو بأخبار غيره فروته.
وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه ﵊ كان يصلّي بسائر الحاضرين عند غيبة الرجل الضخم.
ورواته الأربعة ما بين عسقلاني وواسطي وبصري، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الضحى والأدب، وأبو داود فى الصلاة.
٤٢ - باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) هل يبدأ بالطعام أو بالصلاة؟ وحدد المؤلّف ذلك لينبّه على أن الحكم فيه نفيًا وإثباتًا غير مجزوم به لقوّة الخلاف فيه، (وكان ابن عمر) بن الخطاب، مما هو مذكور بمعناه في هذا الباب (يبدأ بالعشاء) بفتح العين والمدّ خلاف الغداء.
(وقال أبو الدرداء،) مما وصله عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، ومن طريقه، محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر الصلاة: (من فقه المرء إقباله على حاجته) أعمّ من الطعام وغيره (حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ) من الشواغل الدنيوية، ليقف بين يدي مالكه في مقام العبودية من المناجاة على أكمل الحالات من الخضوع والخشوع الذي هو سبب للفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١، ٢] والفلاح أجمع: اسم لسعادة الدارين، وفقد الخشوع ينفيه.
٦٧١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ».
[الحديث ٦٧١ - طرفه في: ٥٤٦٥].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال: سمعت عائشة) ﵂ (عن النبي ﷺ أنه قال):
(إذا وضع العشاء) أي عشاء مريد الصلاة، وللمؤلّف في الأطعمة. إذا حضر، وهو أعمّ من الوضع، فيحمل قوله حضر، أي: بين يديه. لتأْتلف الروايتان لاتحاد المخرج (وأقيمت الصلاة فابدؤوا) ندبًا (بالعشاء) إذا وسع الوقت، واشتدّ التوقان إلى الأكل.
واستنبط منه كراهة الصلاة حينئذٍ لما فيه من اشتغال القلب عن الخشوع المقصود من الصلاة، إلا أن يكون الطعام مما يؤتى عليه مرة واحدة: كالسويق واللبن. ولو ضاق الوقت بحيث. لو أكل
خرج يبدأ بها ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، ويستحب إعادتها عند الجمهور. وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
وعند المالكية يبدأ بالصلاة إن لم يكن معلق النفس بالأكل، أو كان متعلقًا به. لكنه لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله بدأ بالطعام واستحب له الإعادة والمراد بالصلاة هنا المغرب لقوله في الحديث التالي: فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب. لكن ذكر المغرب لا يقتضي الحصر فيها، فحمله على العموم أولى نظرًا إلى العلّة، وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد.
٦٧٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ».
[الحديث ٦٧٢ - طرفه في: ٥٤٦٣].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد، إمام المصريين (عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه، ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) ﵁ (ان رسول الله ﷺ قال)
(إذا قدم العشاء) بضم القاف وكسر الدال المشددة وفتح العين، وزاد ابن حبان والطبراني في الأوسط، من رواية موسى بن أعين، عن عمرو بن الحرث، عن ابن شهاب: وأحدكم صائم.
وموسى ثقة. (فابدؤوا به) أي بالعشاء (قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم) بفتح المثناة الفوقية والجيم، وفي نسخة قيل إنها مسموعة على الأصيلي: ولا تعجلوا. بضم الفوقية وفتح الجيم من الثلاثي فيهما، وروي: تعجلوا. بضم أوّله وكسر ثالثه، من الإعجال.
وفيه كالسابق دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أوّل الوقت، فإنهما لما تزاحما قدم الشارع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أوّل الوقت.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مصري وإيلي ومدني،