يوم القيامة للحساب.
وقوله: ({من ورائه}) أي من (قدامه) ولأبي ذر قدامه جهنم بنصب ميم قدامه وهذا قول الأكثر وهو من الأضداد وعليه قوله:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
أي قدامه وقول الآخر:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأضالع
وقيل: بعد موته.
وقوله تعالى: ({إنا كنا لكم تبعًا}) قال أبو عبيدة: (واحدها تابع مثل غيب وغائب) وخدم وخادم أي يقول الضعفاء للذين استكبروا أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم إنّا كنا لكم تبعًا في التكذيب للرسل والإعراض عنهم.
وقوله تعالى: ({ما أنا بمصرخكم}) يقال: (استصرخني) أي (استغاثني) فكان همزته للسلب أي أزال صراخي (يستصرخه من الصراخ) والمعنى ما أنا بمغيثكم من العذاب وسقط لأبي ذر قوله: بمصرخكم الخ ({ولا خلال} مصدر خاللته خلالاً}) قال طرفة:
كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه
(ويجوز أيضًا جمع خلة وخلال) كبرمة وبرام وهذا قاله الأخفش والجمهور على الأوّل والمخاللة المصاحبة.
({اجتثت}) من قوله تعالى: {كشجرة: خبيثة اجتثت} [إبراهيم: ٢٦] أي (استؤصلت) وأخذت جثتها بالكلية قال لقيط الأيادي:
هذا الخلاء الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مثل ذا آت ومن سمعا
١ - باب قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٤، ٢٥]
(باب قوله) تعالى: ({كشجرة طيبة}) مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمان ({أصلها ثابت}) راسخ في الأرض ضارب بعروقه فيها آمن من الانقطاع والزوال ({وفرعها}) أعلاها ({في السماء}) لأن ارتفاع الأغصان يدل على ثبات الأصل ومتى ارتفعت كانت بعيدة عن عفونات الأرض فثمارها نقية طاهرة عن جميع الشوائب ({تؤتي أكلها}) تعطي ثمرها ({كل حين}) [إبراهيم: ٢٤، ٢٥] أقته الله تعالى لأثمارها.
وقال الربيع بن أنس: كل حين أي غدوة وعشية لأن ثمر النخل يؤكل أبدًا ليلاً ونهارًا صيفًا وشتاءً إما تمرًا أو رطبًا أو بسرًا كذلك عمل المؤمن يصعد أوّل النهار وآخره وبركة إيمانه لا تنقطع أبدًا بل تتصل إليه في كل وقت والاستفهام في قوله: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً} [إبراهيم: ٢٤] للتقرير وفائدته الإيقاظ له أي ألم تعلم والكلمة الطيبة كلمة التوحيد أو كل كلمة حسنة كالحمد والاستغفار والتهليل. وعن ابن عباس هي شجرة في الجنة أصلها ثابت في الأرض وأعلاها في السماء كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلم بها عرجت ولا تحجب حتى تنتهي إلى الله تعالى قال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: ١٠] وسقط قوله: باب قوله لغير أبي ذر وله وفرعها الخ وقال بعد قوله ثابت الآية.
٤٦٩٨ - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا وَلَا تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ» فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري اسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: كنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أخبروني بشجرة تشبه) ولأبي ذر: شبه (أو كالرجل المسلم) شك من الراوي (لا يتحات) بتشديد الفوقية آخره أي لا يتناثر (ورقها ولا ولا ولا) ذكر ثلاث صفات أخر للشجرة لم يبينها
الراوي واكتفى بذكر كلمة لا ثلاثًا وقد ذكروا في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيئها ولا يبطل نفعها (تؤتي أكلها كل حين) وقت (قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر) رضي الله تعالى عنهما (لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم) هيبة منهما وتوقيرًا (فلما لم يقولوا) أي الحاضرون، ولأبي ذر عن