استعمالها إلا في المعنى المجازي فقط فإن كان الأول كان التأكيد بالمصدر يرفع المجاز وإن كان الثاني لم يكن التأكيد رافعًا له فمثال الأول قولك ضربت زيدًا ضربًا ومثال الثاني البيت المذكور لأن عجيج المطارف لا يقع إلا مجازًا اهـ.
واختلف في سماع كلام الله تعالى فقال الأشعري: كلام الله تعالى القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تالٍ وقراءة كل قارئ. وقال الباقلاني: وإنما تسمع التلاوة دون المتلوّ والقراءة دون المقروء ولم يذكر في هذه الآية المتكلم به نعم في سورة الأعراف {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: ١٤] أي وبتكليمي إياك ووقع في رواية أبي ذر باب ما جاء في وكلم الله موسى. وقال في فتح الباري في رواية أبي زيد المروزي باب ما جاء في قوله عز وجل: ({وكلم الله} [النساء: ١٦٤].
٧٥١٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِى أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ: آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى».
وبه قال: (حدّثنا يحيي بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثنا) وللأصيلي أخبرني بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي) ولأبي ذر والأصيلي أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(احتج آدم وموسى) أي تحاجّا (فقال موسى أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة قال أنت) ولغير أبي ذر والأصيلي قال آدم أنت (موسى الذي اصطفاك الله تعالى برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قدّر) بضم القاف وكسر الدال مشددة (عليّ) بتشديد الياء (قبل أن أخلق) بضم الهمزة (فحج آدم موسى) أي غلب عليه بالحجة في قوله أنت آدم الخ بأن ألزمه أن ما صدر عنه لم يكن هو مستقلاًّ به متمكّنًا من تركه بل كان أمرًا مقضيًّا وليس معنى قوله: تلومني على أمر قد قدّر عليّ أنه لم يكن له فيه كسب واختيار، بل المعنى أن الله أثبته في أم الكتاب قبل كوني وحكم بأن ذلك كائن لا محالة بعلمه السابق فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله؟ فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الذين يشاهدون سرّ الله من وراء الأستار قاله التوربشتي.
ومطابقته للترجمة في قوله اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وسبق في القدر.
٧٥١٦ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يجمع المؤمنون) بضم الياء من يجمع والمؤمنون نائب الفاعل (يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هذا) لما ينالهم من الكرب (فيأتون آدم) عليه السلام (فيقولون له أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده) أي بقدرته وخصّه بالذكر إكرامًا وتشريفًا له أو أنه خلق إبداع من غير واسطة رحم (وأسجد لك الملائكة) بأن أمرهم أن يخضعوا لك والجمهور على أن المأمور به وضع الرجه على الأرض وكان تحية له، إذ لو كان لله لما امتنع عنه إبليس وكان سجود التحية جائزًا فيما مضى ثم نسخ بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسلمان حين أراد أن يسجد له: "لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا لله" (وعلمك أسماء كل شيء) أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلومًا مدلولاً عليه بذكر الأسماء إذ الاسم يدل على المسمى (فاشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا) مما نحن فيه من الكرب (فيقول لهم لست هناكم) بضم الهاء أي لست في المنزلة التي تحسبونني وهي مقام الشفاعة (ويذكر لهم خطيئته التي أصاب) أي التي أصابها وهي أكله من الشجرة التي نهى عنها قاله تواضعًا وإعلامًا بأنها لم تكن له.
وهذا الحديث ذكره هنا مختصرًا ولم يذكر فيه ما ترجم له على عادته في الإشارة.
وقد سبق في تفسير سورة البقرة عن مسلم بن إبراهيم شيخه هنا بتمامه وفيه: ائتوا موسى عبدًا كلّمه الله تعالى وأعطاه التوراة الحديث. وساقه أيضًا في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: {لما خلقت