للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعلومة من قوله تعالى: ﴿وهو معكم أينما كنتم﴾ [الحديد: ٤] فإن معناها المعية بالعلم والإحاطة (فإن ذكرني) بالتنزيه والتقديس سرًّا (في نفسه ذكرته) بالثواب والرحمة سرًّا (في نفسي وإن ذكرني في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز في جماعة جهرًا (ذكرته) بالثواب (في ملأ خير منهم) وهم الملأ الأعلى ولا يلزم منه تفضيل الملائكة على بني آدم لاحتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من ملأ الذاكرين الأنبياء والشهداء فلم ينحصر ذلك في الملائكة، وأيضًا فإن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معًا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا قاله الحافظ ابن حجر مبتكرًا، لكن قال إنه سبقه إلى معناه الكمال بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى (وإن تقرب إليّ) بتشديد الياء (بشبر) ولأبي ذر عن الكشميهني شبرًا بإسقاط الخافض والنصب أي مقدار شبر (تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليّ ذرعًا) بكسر الذال المعجمة أي بقدر ذراع (تقربت إليه) ولأبي ذر عن الحموي منه (باعًا) أي بقدر باع وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره (وإن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ومن (أتاني يمشي أتيته هرولة) إسراعًا يعني من تقرب إليّ بطاعة قليلة جازيته بمنوبة كثيرة، وكلما زاد في الطاعة زدت في ثوابه وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني فإتياني بالثواب له على السرعة والتقرب، والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو قصد إرادة لوازمها وإلاّ فهذه الإطلاقات وأشباهها لا يجوز إطلاقها على الله تعالى إلا على المجاز لاستحالتها عليه تعالى.

وفي الحديث جواز إطلاق النفس على الذات فإطلاقه في الكتاب والسُّنّة إذن شرعي فيه أو يقال هو بطريق المشاكلة لكن يعكر على هذا الثاني قوله تعالى: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ [آل عمران: ٢٨] والحديث من أفراده.

١٦ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]

(باب قول الله تعالى: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ [القصص: ٨٨]) أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات، وإنما جرى على عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة ومن جعل شيئًا يطلق على الباري تعالى وهو الصحيح قال هذا استثناء متصل، ومن لم يطلقه عليه جعله متصلاً أيضًا وجعل الوجه ما عمل لأجله أو جعله منقطعًا أي لكن هو لم يهلك ويجوز رفع وجهه على الصفة، وفسر الهلاك بالعدم أي إن الله تعالى يعدم كل شيء وفسر أيضًا بإخراج الشيء عن كونه منتفعًا به إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت باقية كما يقال هلك الثوب وقيل معنى كونه هالكًا كونه قابلاً للهلاك في ذاته. وقال مجاهد: كل شيء هالك إلا وجهه يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله اهـ. وثبت لفظ باب لأبى ذر.

٧٤٠٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥]، قَالَ النَّبِىُّ : «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». فَقَالَ: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥]، فَقَالَ النَّبِىُّ «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». قَالَ: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: ٦٥]، فَقَالَ النَّبِىُّ : «هَذَا أَيْسَرُ».

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) وسقط ابن زيد لغير أبي ذر (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري أنه (قال: لما نزلت هذه الآية ﴿قل هو القادر﴾) أي الكامل القدرة (﴿على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم﴾ [الأنعام: ٦٥]) أي كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة (قال النبي ):

(أعوذ بوجهك) أي بذاتك (فقال: ﴿أو من تحت أرجلكم﴾ [الأنعام: ٦٥]، فقال النبي : أعوذ بوجهك. قال): ولأبي ذر فقال (﴿أو يلبسكم شيعًا﴾ [الأنعام: ٦٥]) أو يخلطكم فرقًا مختلفين على أهواء شتى (فقال النبي : هذا أيسر) لأن الفتن بين المخلوقين أهون من عذاب الله. وفي رواية ابن السكن مما ذكره في فتح الباري هذه أيسر قال وسقط لفظ الإشارة من رواية الأصيلي. قال الزركشي: ورواية غيره هي الصحيحة وبها يستقل الكلام. قال في المصابيح: وروايته أيضًا صحيحة وقصارى ما فيها حذف المبتدأ الذي ثبت في الروايتين وذلك جائز فكيف يحكم بعدم صحتها ولا شاهد يستند إليه هذا الحكم اهـ.

والمراد منه قوله: أعوذ بوجهك. قال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا برداء الكبرياء على وجهه، وفي بعضها من أجل كقوله: ﴿إنما نطعمكم

<<  <  ج: ص:  >  >>