وقيل: لا يدخلونها بل يكونون في ربضها وهذا مأثور عن مالك والشافعي وأحمد، وقيل: إنهم على الأعراف وتوقف بعضهم عن الجواب في هذا.
(﴿بخسًا﴾) في قوله تعالى: ﴿فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا﴾ [الجن: ١٣] أي (نقصًا) قاله يحيى الفراء. والمراد النقص في الجزاء وفي الآية دليل على ثبوت أنهم مكلفون (قال) ولأبي الوقت وقال (مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ﴿وجعلوا بينه﴾) ﷾ (﴿وبين الجنة نسبًا﴾ قال): هم (كفار قريش) قالوا (الملائكة بنات الله وأمهاتهم) ولأبي ذر: وأمهاتهن والأولى أوجه (بنات سروات الجن) بفتحات أي ساداتهم (قال الله) ﷿: (﴿ولقد علمت الجنة إنهم﴾) أي قائلي هذا القول وهم الكفار (﴿لمحضرون﴾) [الصافات: ١٥٨] أي (ستحضر للحساب) وسمي الملائكة جنة لاجتنانهم عن الأبصار. (﴿جند محضرون﴾) [يس: ٧٥] في سورة يس أي (عند الحساب). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محضر بالإفراد والصواب الأول وهو لفظ القرآن.
٣٢٩٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ﵁ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".
ويه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه) عبد الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري ﵁ قال له) أي لعبد الله (إني أراك تحب الغنم و) تحب (البادية)، الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو في الغالب يكون فيها (فإذا كنت في) أي بين (غنمك) في غير بادية أو فيها (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها أو هو شك من الراوي (فأذنت بالصلاة) أي أعلمت بوقتها (فارفع صوتك بالنداء) بالأذان (فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته (جن ولا إنس ولا شيء) من حيوان أو جماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا (إلا شهد له يوم القيامة) ليشتهر بالفضل وعلو الدرجة. (قال أبو سعيد) الخدري: (سمعته من رسول الله ﷺ).
وسبق هذا الحديث في باب رفع الصوت بالنداء من كتاب الأذان والمراد منه هنا قوله فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن إلا شهد له إذ إنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة.
١٣ - باب قَوْلِ اللَّهَِ ﷿: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ -إِلَى قَوْلِهِ- ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. ﴿مَصْرِفًا﴾: مَعْدِلاً. ﴿صَرَفْنَا﴾: أَىْ وَجَّهْنَا
(باب قوله ﷿ وسقط باب لغير أبي ذر (﴿وإذ صرفنا إليك نفرًا﴾) دون العشرة والجمع أنفار (﴿من الجن﴾) [الأحقاف: ٢٩] (إلى قوله) جل وعلاً (﴿أولئك في ضلال مبين﴾) [الأحقاف: ٣٢] أي حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه (﴿مصرفًا﴾) أي (معدلاً) قاله أبو عبيدة ومراده قوله تعالى: ﴿ولم يجدوا عنها مصرفًا﴾ ﴿صرفنا﴾) في قوله تعالى: ﴿وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن﴾ قال المؤلّف: (أي وجهنا). وكان ذلك حين انصرف ﷺ راجعًا من الطائف إلى مكة حين يئس من ثقيف. وعن ابن عباس أن الجن كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله ﷺ رسلاً إلي قومهم. وعن مجاهد فيما ذكره ابن أبي حاتم: كانوا ثلاثة من حران وأربعة من نصيبين، وسمى منهم ابن دريد وغيره شاصر وماصر ومنشى وماشى والأحقب، وعند ابن إسحاق حسا ومسا وأنين والأخصم. وعند ابن سلام عمرو بن جابر، وذكر ابن أبي الدنيا زوبعة ومنهم سرق، وقيل إنهم كانوا اثني عشر ألفًا.
١٤ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. ﴿آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. يُقَالُ: ﴿صَافَّاتٍ﴾ بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ. ﴿يَقْبِضْنَ﴾: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ
(باب قول الله تعالى ﴿وبث﴾) نشر وفرق (﴿فيها﴾) في الأرض (﴿من كل دابة﴾) [لقمان: ١٠] ما دب من الحيوان (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (الثعبان) في قوله
تعالى: ﴿فإذا هي ثعبان مبين﴾ [الأعراف: ١٠٧] (الحية الذكر منها) وقيد بالذكر لأن لفظ الحية شامل للذكر والأنثى. قال المؤلّف: (يقال الحيات أجناس: الجان) بتشديد النون الحية البيضاء، (والأفاعي) جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات والذكر منها أفعوان بضم الهمزة والعين، (والأساود) جمع أسود. قال أبو عبيدة: حيّة فيها سواد وهي أخبث الحيات. وزعموا أن الحية تعيش ألف سنة وهي في كل سنة تسلخ جلدها. ومن غريب أمرها أنها إذا لم تجد طعامًا عاشت بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل، وإذا كبرت صغر جرمها ولا ترد الماء ولا تريده إلا أنها لا تملك نفسها عن الشراب إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر، وربما كان السكر سبب هلاكها، وتهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها