فأخبرته (فقال) موسى: (راجع ربك) ولابن عساكر فقال ذلك أي راجع ربك ففعلت أي فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته بذلك فقال: راجع ربك (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي، فقال) جل وعلا: (هي خمس) بحسب الفعل (وهي خمسون) بحسب الثواب {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام: ١٦٠](لا يبدل القول لدي) يحتمل أن يراد أني ساويت بين الخمس والخمسين في الثواب، وهذا القول غير مبدل أو جعلت الخمسين خمسًا ولا تبديل فيه، وإنما وقعت المراجعة للعلم بأن ذلك غير واجب قطعًا لأن ما كان واجبًا قطعًا لا يقبل التخفيف أو الفرض خمسين. ثم نسخها بخمس رحمة لهذه الأمة المحمدية. واستشكل بأنه نسخ قبل البلاغ. وأجيب: بأنه نسخ بعده بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك. فقلت: قد استحييت من ربي) أن أراجعه بعد قوله تعالى: لا يبدل القول لدي (ثم انطلق) جبريل (حتى أتى السدرة المنتهى) وفي نسخة إلى السدرة المنتهى، ولابن عساكر: حتى أتى بي سدرة المنتهى، ولأبي ذر: بي السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات وسميت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فغشيها ألوان لا أدري ما هي) هو كقوله تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى}[النجم: ١٦] فالإبهام للتفخيم والتهويل وإن كان معلومًا (ثم أدخلت) ولأبي ذر: ثم أدخلت الجنة (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم والنون بعدها ألف فموحدة مكسورة فذال معجمة جمع جنبذة وهي القبة (وإذا ترابها المسك). رائحة.
واستنبط من هذا الحديث فوائد كثيرة يأتي إن شاء الله تعالى في سورة هود الإِلمام بشيء منها في بابه بعون الله تعالى، وقد مرّ الحديث أوّل الصلاة.
(باب قول الله تعالى) في سورة هود ({وإلى عاد أخاهم هودًا})[الأعراف: ٦٥] عطف على قوله: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}[الأعراف: ٥٩] كقولك: ضرب زيد عمرًا وبكر خالدًا وليس هو من باب ما فصل فيه بين حرف العطف والمعطوف بالجار والمجرور نحو ضربت زيدًا وفي السوق عمرًا فيجيء الخلاف المشهور، وقيل بل هو على إضمار فعل أي: وأرسلنا هودًا وهذا أوفق لطول الفصل وهودًا بدل أو عطف بيان لأخيهم، وكان هود أخاهم في النسب لا في الدين لأنه كان من قبيلة عاد وهم قبيلة من العرب بناحية اليمن كما يقال للرجل: يا أخا تميم، والمراد رجل منهم وهو هود بن تارخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ({قال يا قوم اعبدوا الله})[هود: ٥٠] أي وحدوه وسقط قوله قال يا قوم الخ ... لأبي ذر.
(وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق ({إذ أنذر قومه بالأحقاف})[الأحقاف: ٢١] جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج وكان قوم هود يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن، وكانوا كثيرًا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام كما قال تعالى:{ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد}[الفجر: ٦ - ٧] وهي عاد الأولى وأما عاد الثانية فمتأخرة وأما عاد الأولى: فمنهم {عاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد}[الفجر: ٦ - ٧ - ٨] أي مثل قبيلته، وقيل مثل العمد، ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض فقد أبعد النجعة وقال ما لا دليل عليه ولا برهان يعول عليه (إلى قوله: {كذلك نجزي القوم المجرمين})[الأحقاف: ٢٥] تخويف لكفار مكة أي ما سبق من قصتهم حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا.
(فيه) أي في هذا الباب (عن عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله المؤلّف في باب ما جاء في قوله تعالى: {هو الذي أرسل الرياح}[الفرقان: ٤٨](و) عن (سليمان) بن يسار فيما وصله أيضًا في سورة الأحقاف كلاهما (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ الأولى كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وفي آخره ولا أدري لعله كما قال قوم: {فلما رأوه عارضًا مستقبل
أوديتهم} [الأحقاف: ٢٤] الآية. وفي الثانية قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضاحكًا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه؛ الحديث.
(وقول الله عز وجل) بالجر عطفًا على السابق ولغير أبي ذر وابن عساكر باب قول الله