مبالغة (ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله) عز وجل (من العذاب لم يأمن من النار).
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف.
٢٠ - باب الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].
وَقَالَ عُمَرُ وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ.
(باب الصبر على محارم الله) عز وجل والصبر على المواظبة على فعل الواجبات، والصبر حبس النفس على المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج. وقال ذو النون: الصبر التباعد عن المخالفات والسكون عند تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة، وقال ابن عطاء الله: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب ({إنما}) ولأبي ذر وقول الله عز وجل إنما ({يوفى الصابرون}) على تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير ({أجرهم بغير حساب}) [الزمر: ١٠] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف وهو حال من الأجر أي موفرًا وذكر في القرآن في خمسة وتسعين موضعًا. (وقال عمر) بن الخطاب: (وجدنا خير عيشنا بالصبر) ولأبي ذر عن الكشميهني الصبر بإسقاط الخافض والنصب.
وهذا وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد عن عمر.
٦٤٧٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، إِلَاّ أَعْطَاهُ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كُلُّ شَىْءٍ أَنْفَقَ بِيَدَيْهِ «مَا يَكُنْ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ، لَا أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) سقط الليثي
لغير أبي ذر (أن أبا سعيد) سعد بن مالك زاد أبو ذر الخدري (أخبره أن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر: ناسًا بإسقاطها (من الأنصار) قال في الفتح: لم أقف على أسمائهم وقد سبق في الزكاة من طريق مالك عن ابن شهاب الإشارة إلى أن منهم أبا سعيد (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يسأله) وللحموي والمستملي فلم يسأل (أحد منهم إلا أعطاه حتى نفد ما عنده) بفتح النون وكسر الفاء بعدها دال مهملة فرغ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لهم حين نفد كل شيء أنفق) بفتحات (بيديه) بالتثنية ولأبي ذر بيده بالإفراد.
(ما يكن عندي من خير) أي مال (لا أدخره عنكم) بتشديد الدال على الإدغام أي أجعله ذخيرة لغيركم معرضًا عنكم ولأبي ذر ما يكون بالواو فما موصولة وعلى الأولى شرطية (وإنّه من يستعف) بتشديد الفاء يكف عن الحرام والسؤال (يعفه الله) بتشديد الفاء يرزقه الله العفة بأن يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى، ولأبي ذر عن الكشميهني مما في الفرع يستعف بسكون العين بعدها فاء خفيفة من الاستعفاء وفي الفتح وتبعه العيني عن الكشميهني يستعفف بزيادة فاء أخرى وكذا هو في اليونينية (ومن يتصبر) يتكلف الصبر (يصبره الله) بالجزم فيهما يرزقه الله الصبر (ومن يستغن) أي يظهر الغنى أو يستغن بالله عمن سواه (يغنه الله) أي يرزقه الغنى عن الناس (ولن تعطوا) بضم الفوقية وسكون العين وفتح الطاء المهملتين (عطاء خيرًا وأوسع من الصبر) لأنه جامع لمكارم الأخلاق على ما لا يخفى.
والحديث سبق في الزكاة وأخرجه مسلم والنسائي.
٦٤٧١ - حَدَّثَنَا خَلَاّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى حَتَّى تَرِمَ أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ فَيُقَالُ لَهُ: فَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»؟.
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة ابن كدام الكوفي قال: (حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف (قال: سمعت المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي حتى ترم) بكسر الراء وتخفيف الميم من ورم يرم مثل ورث يرث وهو على خلاف القياس وقياسه تورم بفتح الراء وإثبات الواو مثل وجل يوجل (أو تنتفخ قدماه) بالشك من الراوي وهما بمعنى (فيقال له) قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وفي حديث عائشة أنها قالت لم تصنع هذا وقد غفر الله لك فظهر أن القائل عائشة (فيقول):
(أفلا) أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) من أبنية المبالغة.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صبر على الطاعة حتى تورمت قدماه والصبر يكون على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية