للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمثناة التحتية آخره نون توكيد ثقيلة فيهما، مبنيًّا للفاعل في الأولى، وللمفعول في الثاني (عن ذلك) أي: عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة (أو) قال (لتخطفن) بضم المثناة الفوقية، وسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء والفاء، مبنيًّا للمفعول أي: لتعمين (أبصارهم).

وكلمة: أو، للتخيير تهديدًا، وهو خبر بمعنى الأمر، أي: ليكوننّ منكم الانتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند الرفع من الله، وهو كقوله تعالى: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] أي يكون أحد الأمرين.

وفيه النهي الوكيد والوعيد الشديد، وحملوه على الكراهة دون الحرمة للإجماع على عدمها، وأما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة في دعاء ونحوه، فجوّزه أكثرون، لأن السماء قبلة الداعين، كالكعبة قبلة المصلين، وكرهه آخرون.

ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة.

٩٣ - باب الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ

(باب) كراهية (الالتفات في الصلاة) لأنه ينافي الخشوع المأمور به أو ينقصه.

٧٥١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ".

[الحديث ٧٥١ - طرفه في: ٣٢٩١].

وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو الأحوص) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وبالصاد المهملة سلام بتشديد اللام، ابن سليم، بضم السين، الحافظ الكوفي (قال: حدّثنا أشعث بن سليم) بضم السين وفتح اللام، وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة ثم مثلثة (عن أبيه) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، أبو الشعثاء (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) (قالت: سألت رسول الله عن الالتفات) بالرأس يمينًا وشمالاً (في الصلاة فقال) :

(هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة (يختلسه الشيطان) بإبراز الضمير المنصوب، وهو رواية الكشميهني، وللأكثر: يختلس الشيطان (من صلاة العبد) فيه الحض على إحضار المصلي قلبه لمناجاة ربه.

ولما كان الالتفات فيه ذهاب الخشوع، استعير لذهابه اختلاس الشيطان، تصويرًا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي مستغرق في مناجاة ربه، والله مقبل عليه، والشيطان مراصد له ينتظر فوات ذلك، فإذا التفت المصلي، اغتنم الشيطان الفرصة فيختلسها منه. قاله الطيبي في شرح المشكاة.

والجمهور على كراهة الالتفات فيها للتنزيه. وقال المتولي: حرام إلاّ لضرورة، وهو قول الظاهرية.

ومن أحاديث النهي عنه، حديث أنس عند الترمذي مرفوعًا، وقال حسن: يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان ولا بدّ ففي التطوع لا في الفريضة.

وحديث أبي داود والنسائي عنه، وصحّحه الحاكم: لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه.

وللبزار من حديث جابر بسند فيه الفضل بن عيسى: إذا قام الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، فإذا التفت، قال: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير مني؟ أقبل إليَّ. فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك، فإذا التفت الثالثة صرف الله وجهه عنه.

ولابن حبان في الضعفاء، عن أنس مرفوعًا: المصلي يتناثر على رأسه الخير من عنان السماء إلى مفرق رأسه. وملك ينادي: لو يعلم العبد من يناجي ما التفت.

والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو كله.

فإن قلت: لِمَ شرع سجود السهو للمشكوك فيه دون الالتفات، وغيره مما ينقص الخشوع؟ أجيب: بأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد فيجتنبه.

ورواة هذا الحديث الستة كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس اللعين، وأبو داود، والنسائي، في: الصلاة.

٧٥٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ: شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ».

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) (أن النبي ، صلّى في خميصة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم وفتح الصاد المهملة، كساء أسود مربع (لها أعلام، فقال) :

(شغلتني) بمثناة فوقية بعد اللام، وللحموي والسرخسي: شغلني (أعلام

<<  <  ج: ص:  >  >>