ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء، وإن عزم عليّ فسمعًا وطاعة فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفًا، فتعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها وكان عبدًا حبشيًّا. والحكمة كما في الأنوار استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقته.
({أن اشكر لله}) [لقمان: ١٢] أن المفسرة فسر إيتاء الحكمة بقوله أن اشكر لله ثم بين أن الشكر لا ينفع إلا الشاكر (إلى قولها {إن الله لا يحب كل مختال}) في مشيه ({فخور}) [لقمان: ١٨] على الناس بنفسه، وسقط لأبي ذر (أن اشكر) الخ وقال: إلى قوله: {عظيم} يعني {إن الشرك لظلم عظيم} ولأبي الوقت: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} إلى قوله {فخور} [لقمان: ١٦] الضمير في أنها للخطيئة، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله تعالى، فقال: {يا بني} الآية. والفاء في فتكن لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفية في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب ({ولا تصعر}) بتشديد العين وهي لغة تميم، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالألف والتخفيف وهي لغة الحجاز وهما بمعنى (الإعراض بالوجه). كما يفعله المتكبرون وسقط لأبي ذر (ولا تصعر) الخ.
٣٤٢٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: لما نزلت) كذا في اليونينية ({الذين آمنوا ولم يلبسوا}) عطف على الصلة فلا محل لها أو الواو للحال والجملة بعدها في موضع نصب على الحال أي آمنوا غير ملبسين أي مخلطين ({إيمانهم بظلم}) بشرك فلم ينافقوا (قال أصحاب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أينا لم يلبس إيمانه بظلم)؟ فنزلت ({لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: ١٣] لأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس فوضع العبادة في غير موضعها وقوله (بظلم) وهو من العام الذي أريد به الخاص وهو الشرك.
٣٤٢٩ - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ {يَا بُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الموحدة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}) [الأنعام: ٨٢] (شق ذلك على المسلمين) لأنهم حملوا الظلم على العموم فيشمل جميع أنواعه لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي (فقالوا: يا رسول الله أينا) وفي بعض النسخ فأينا (لا يظلم نفسه؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
(ليس ذلك) كما تظنون (إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه) باران بالموحدة والراء أو أنعم (وهو يعظه) جملة حالية ({يا بني لا تشرك بالله}) قيل كان كافرًا فلم يزل به حتى أسلم ({إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: ١٣] وليس الإيمان أن تصدق بوجود الصانع الحكيم وتخلط بهذا التصديق الإشراك.
٤٢ - باب {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} الآيَةَ [يس: ١٣] {فَعَزَّزْنَا}: قَالَ مُجَاهِدٌ: شَدَّدْنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُمْ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية} الآية) والقرية إنطاكية أي: ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما مثلاً أصحاب القرية على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلاً فترك المثل وأقيم أصحاب مقامه في الإعراب {إذ جاءها المرسلون} أي رسل عيسى وقوله {إذ أرسلنا إليهم اثنين} [يس: ١٣ - ١٤] قال: وهب: يحنا وبولس وقيل غيرهما وقوله فكذبوهما ({فعزّزنا} [يس: ١٤] (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي أي (شددنا) بتشديد الدال الأولى قوينا بثالث وهو شمعون وقال كعب: الرسولان صادق وصدوق والثالث شلوم.
(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم