للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسلام (يا أبا سعيد) وهو يردّ على من قال: إن المارّ هو الوليد بن عقبة لأن أباه عقبة قتل كافرًا. وقوله ما مبتدأ وخبره لك ولابن أخيك عطف عليه بإعادة الخافض (قال) أبو سعيد رضي الله عنه: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه) قال القرطبي رحمة الله عليه بالإشارة ولطيف المنع (فإن أبى فليقاتله) بكسر اللام الجازمة وسكونها.

قال النووي رحمة الله عليه: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرّح أصحابنا رحمهم الله تعالى بأنه مندوب. نعم قال أهل الظاهر بوجوبه، ونقل البيهقي عن الشافعي رحمهما الله تعالى أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول. وقال أصحابنا: يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ولو أدّى إلى قتله فقتله فلا شيء عليه، لأن الشّارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها وليس المراد المقاتلة بالسلاح ولا بالمشي إليه، بل والمصلي بمحله بحيث تناله يده ولا يكون عمله في مدافعته كثيرًا (فإنما هو شيطان) أي إنما فعله فعل شيطان، وإطلاق الشيطان على مارد الإنس سائغ على سبيل المجاز والحصر بإنما للمبالغة، فالحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المارّ شيطانًا بمروره بين يدي المصلي.

ورواة هذا الحديث الثمانية بصريون إلا أبا صالح فإنه مدني، وآدم فإنه عسقلاني، وفيه التحويل والتحديث والعنعنة والقول والرؤية، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس لعنة الله عليه، ومسلم وأبو داود في الصلاة.

١٠١ - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي

(باب إثم المارّ بين يدي المصلي).

٥١٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي

مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً.

وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام رضي الله عنه (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وكسر العين الحضرمي المدني.

(أن زيد بن خالد) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه (أرسله) أي بسرًا (إلى أبي جهيم) بضم الجيم وفتح الهاء عبد الله الأنصاري (يسأله ماذا سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المارّ بين يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه مقدار سجوده أو مقدار ثلاثة أذرع بينه وبينه أو رمية بحجر؟ (فقال أبو جهيم: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا) أي الذي (عليه) زاد الكشميهني من الإثم.

قال في الفتح: وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، والحديث في الموطأ وباقي السُّنن والمسانيد والمستخرجات بدونها قال: ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا، لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعني من الإثم فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلاً لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، بل كان راوية وهي ثابتة في اليونينية من غير عزو، وجملة ماذا في موضع نصب سادّة مسدّ مفعولي يعلم وجواب لو قوله (لكان أن يقل) أي لو يعلم المار ما الذي عليه من الأثم في مروره بين يدي المصلي لكان وقوله (أربعين خيرًا له) نصب خبر كان وفي رواية خير بالرفع اسمها (من أن يمر) أي من مروره (بين يديه) أي المصلي لأن عذاب الدنيا وإن عظم يسير. قال مالك بالسند السابق: (قال أبو النضر) سالم ابن أبي أمية (لا أدري أقال) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر قال أي بسر بن سعيد (أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة) وللبزار أربعين خريفًا، وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة مائة عام، وكل هذا يقتضي كثرة ما فيه من الإثم.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وتابعي وصحابيان ورجاله ستة، وأخرجه بقية الستة.

١٠٢ - باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي

وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُل.

(باب استقبال الرجل الرجل وهو) أي والحال أنه (يصلّي) وفي هامش الفرع باب استقبال الرجل وهو يصلّي، وللأربعة: هل يكره أم لا أو يفرق بين ما إذا ألهاه أو لا؟ وفي نسخة الصغاني: استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلّي وكذا في أصل الفرع واليونينية. (وكره عثمان) بن عفان رضي الله عنه (أن يستقبل الرجل) بضم المثناة

<<  <  ج: ص:  >  >>