وقال أبو حنيفة لا تقع حتى يوقعها الحاكم لظاهر ما وقع في أحاديث اللعان وتكون فرقة طلاق. وعن أحمد روايتان وقول النووي في شرح مسلم كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها هو كلام مستقل وقوله فطلقها أي ثم عقب ذلك لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثًا فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا سبيل لك عليها" أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقًا تعقبه في الفتح بأنه يوهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثًا، وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد الذي شرحه وليس كذلك فإن قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله: الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها وقال الخطابي لفظ فطلقها يدل على وقوع الفرقة باللعان ولولا ذلك لصارت في حكم المطلقات وأجمعوا على أنها ليست في حكمهن فلا يكون له مراجعتها إن كان الطلاق رجعيًا ولا يحل له أن يخطبها إن كان بائنًا وإنما اللعان فرقة فسخ.
(فكانت) أي الفرقة بينهما (سنّة لمن كان بعدهما في المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة.
وقال ابن عبد البر أبدى له بعض أصحابنا فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون لأن أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوّجت المرأة غير اللاعن فإنه لا يتحقق، وعورض بأنه لو كان كذلك لامتنّع عليهما معًا التزويج لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افتراقًا في الجملة وفي رواية الباب الآتي من طريق فليح عن الزهري فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملًا فأنكر حملها.
(ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انظروا فإن جاءت به) أي بالولد لدلالة السياق عليه (أسحم) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الحاء المهملتين آخره ميم أي أسود (أدعج العينين) بالعين المهملة والجيم أي شديد سواد الحدقة (عظيم الأليتين) بفتح الهمزة أي العجز (خدلج الساقين) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة واللام المشددة آخره جيم أي عظيمهما (فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وكسر الميم مصغر أحمر وقول صاحب التنقيح أن الصواب صرف أحيمر وهو الأبيض تعقبه في المصابيح فقال: عدم الصرف كما في المتن هو الصواب وما ادعى هو أنه عين الصواب هو عين الخطأ (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهي من أنواع الوزغ وشبهه بها لحمرتها وقصرها (فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عديها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولغير أبي ذر نعت به رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تصديق عويمر) وفي باب التلاعن في المسجد من طريق ابن جريج عن الزهري فجاءت به على المكروه من ذلك (فكان) أي الولد (بعد ينسب إلى أمه) فاعتبر الشبه من غير حكم به لأجل ما هو أقوى من الشبه وهو الفراش كما فعل في وليدة زمعة وإنما يحكم بالشبه وهو حكم القافة إذا استوت العلائق كسيدين وطئا في طهر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والتفسير والاعتصام والأحكام والمحاربين والتفسير أيضًا ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي وابن ماجه.
٢ - باب: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٧]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والخامسة}) أي والشهادة الخامسة ({أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين}) [النور: ٧] فيما رمى به زوجته من الزنا وهذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ في مذهبنا لقوله عليه السلام المروي في البيهقي وغيره: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- بتفريق الحاكم فرقة طلاق ونفي الولد إن تعرض له فيه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
٤٧٤٦ - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّلَاعُنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قُضِيَ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ» قَالَ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا شَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَارَقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (سليمان بن داود) العتكي (أبو الربيع) الزهراني المقرئ البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم