الساعدي (رضي الله عنه، قال):
(كان الناس يصلون مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهم عاقدو) بالواو ولأبي الوقت: عاقدي، أي: وهم كانوا عاقدي (أزرهم) بضمتين، جمع إزار، وهو: الملحفة. وفي الفرع أزرهم، بسكون الزاي (من الصغر) أي: من صغر أزرهم (على رقابهم) فكان أحدكم يعقد إزاره على رقبته، وكان هذا في أول الإسلام حين قلة ذات اليد (فقيل للنساء)، إذ كن متأخرات عن صف الرجال قبل أن يدخلن في الصلاة، ليدخلن فيها على علم، أو وهن فيها، كما يقتضيه التعبير بفاء العطف في قوله: فقيل للنساء: (لا ترفعن رؤوسكن) من السجود (حتى يستوي الرجال) حال كونهم (جلوسًا) لما عرف من ضيق أزر الرجال، لئلا تقع أعينهن على عوراتهم.
واستنبط منه التنبيه على جواز إصغاء المصلي في الصلاة إلى الخطاب الخفيف وتفهمه، وهو مبني على أنه: قيل لهن ذلك داخل الصلاة، لكن جزم الإسماعيلي بأنه خارجها. وحينئذ فلا معنى لقول المؤلّف في الترجمة للمصلي، ولا وجه لجزمه.
بل، الأمر محتمل لأن يكون القول خارج الصلاة وداخلها، ويكون القائل في غير الصلاة، فلا يتعين أحد الاحتمالين إلا بدليل.
نعم، مقتضى التعبير بالفاء في قوله: فقيل للنساء، يعين وقوعه وهن داخلها، كما مر. لكن وقع عند المؤلّف في باب: إذا كان الثوب ضيقًا، بدون التعبير بالفاء، ولفظه: وقال، وفسر القائل به: عليه الصلاة والسلام، وللكشميهني: ويقال، وهو أعم من أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو غيره.
١٥ - باب لَا يَرُدُّ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ
هذا (باب) بالتنوين (لاّ يرد) المصلي (السلام) باللفظ على المسلم (في الصلاة) لأنه خطاب آدمي.
١٢١٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قال حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلاً".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) الكوفي الحافظ، أخو عثمان (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، محمد، واسم جده: غزوان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه (قال):
(كنت أسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة فيرد عليّ) السلام (فلما رجعنا) من عند النجاشي، ملك الحبشة إلى المدينة (سلمت عليه) وهو في الصلاة (فلم يرد عليّ) السلام باللفظ (وقال) عليه الصلاة والسلام لما فرغ من الصلاة وللمستملي: قال:
(إن في الصلاة شغلاً) لا يمكن معه الاشتغال بغيرها، وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: لشغلاً، بزيادة لام التأكيد.
١٢١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَىَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَىَّ فَقَالَ: إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين، بينهما، عبد الله بن عمرو التميمي المقعد المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري، بفتح المثناة وتشديد النون، البصري، قال: (حدّثنا كثير بن شنظير) بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة مكسورة، وهو لغة السيئ الخلق، علم عليه (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة آخره مهملة (عن جابر بن عبد الله عنهما، قال):
(بعثني رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في حاجة له) في غزوة بني المصطلق: (فانطلقت، ثم رجعت وقد قضيتها، فأتيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسلمت عليه، فلم يرد عليّ) السلام باللفظ (فوقع في قلبي) سقط من الحزن (ما الله أعلم به) مما لا أقدر قدره، ولا يدخل تحت العبارة، و: ما، فاعل بقوله: وقع، والجلالة الشريفة، مبتدأ أو خبره التالي (ففلت في نفسي: لعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجد) بفتح الواو والجيم، أي: غضب (علي أني) وللكشميهني: أن (أبطأت عليه، ثم سلمت عليه، فلم يرد علي) السلام باللفظ (فوقع في قلبي) من الحزن (أشد من) الذي وقع فيه في (المرة الأولى).
في رواية مسلم، من طريق الزبير عن جابر: فقال لي بيده هكذا.
وفي رواية أخرى: فأشار إلي. فيحمل قوله في رواية البخاري، فلم يرد علي، أي باللفظ،
كما مر. وكأن جابرًا لم يعرف أولاً أن المراد بالإشارة الرد عليه، فلذلك قال: فوقع في قلبي ما الله أعلم به.
(ثم سلمت عليه فرد علي) السلام بعد أن فرغ من صلاته باللفظ (فقال) في رواية: وقال: (إنما منعني أن أرد عليك) السلام إلا (أني كنت أصلي).
(وكان) عليه الصلاة السلام يصلّي نفلاً وهو راكب