للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانشراح الصدر له بحيث يخالط لحمه ودمه. وهل هذا الذوق محسوس أو معنوي. وعلى الثاني فهو على سبيل المجاز والاستعارة الموضحة للمؤلف على استدلاله بزيادة الإيمان ونقصه، لأن في ذلك تلميحًا إلى قضية المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرًّا بخلاف الصحيح، فكلما نقصت الصحة نقص ذوقه بقدر ذلك، وتسمى هذه الاستعارة تخييلية، وذلك أنه شبه رغبة المؤمن في الإيمان بالعسل ونحوه ثم أثبت له لازم ذلك وهي الحلاوة، وأضافه إليه فالمرء لا يؤمن إلا (أن يكون الله) عز وجل (ورسوله) عليه الصلاة والسلام (أحب إليه مما سواهما) بإفراد الضمير في أحب لأنه أفعل تفضيل، وهو إذا وصل بمن أفرد دائمًا وعبر بالتثنية في سواهما إشارة إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى. فمن يدعي حب الله مثلاً ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ولا يعارض تثنية الضمير هنا بقصة الخطيب حيث قال: ومن يعصهما فقد غوى. فقال له عليه الصلاة والسلام بئس الخطيب أنت فأمره بالإفراد إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزامه الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل واحد من المعطوفين في الحكم. فهو في قوة قولنا: ومن عصى الله فقد غوى ومن عصى الرسول فقد غوى. ويؤيد ذلك قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} [النساء: ٥٩] لم يعد أطيعوا في أُولي الأمر منكم كما أعاده في وأطيعوا الرسول ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقيل: إنه من الخصائص فيمتنع من غيره عليه الصلاة والسلام لأن غيره إذا جمع أوهم التسوية بخلافه هو عليه الصلاة والسلام، فإن منصبه لا

يتطرق إليه إيهام ذلك. وقال: مما ولم يقل ممن ليعم العاقل وغيره، والمراد بهذا الحب كما قال البيضاوي العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره، وإن كان على خلاف هواه.

ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه طبعه، ولكنه يميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله لما يعلم أن صلاحه فيه.

(و) من محبة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام (أن يحب) المتلبس بها (المرء) حال كونه (لا يحبه إلاّ الله) تعالى (وأن يكره أن يعود) أي العود (في الكفر كما يكره أن يقذف) بضم أوّله وفتح ثالثه أي مثل كرهه القذف (في النار) وهذا نتيجة دخول نور الإيمان في القلب بحيث يختلط باللحم والدم واستكشافه عن محاسن الإسلام وقبح الكفر وشينه.

فإن قلت: لِمَ عدّى العود بفي ولم يعدّه بإلى كما هو المشهور؟ أجاب الحافظ ابن حجر كالكرماني بأنه ضمن معنى الاستقرار كأنه قال: أن يعود مستقرًّا فيه، وتعقبه العيني فقال فيه تعسف، وإنما في هنا بمعنى إلى كقوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] أي لتصيرن إلى ملتنا، وفي هذا الحديث الإشارة إلى التحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، فالأوّل من الأوّل والأخير من الثاني. وفي الثاني الحثّ على التحابب في الله، ورواته كلهم بصريون أئمة أجلاء، وأخرجه المؤلف أيضًا بعد ثلاثة أبواب وفي الأدب ومسلم والترمذي والنسائي وألفاظهم مختلفة.

١٠ - باب عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ

١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». [الحديث ١٧ - طرفه في: ٣٧٨٤].

(باب) بالتنوين (علامة الإيمان) التام (حبّ الأنصار)، وسقط التنوين للأصيلي، وحينئذ فقوله علامة جر بالإضافة قال ابن المنير: علامة الشيء لا يخفى أنها غير داخلة في حقيقته، فكيف تفيد هذه الترجمة مقصوده من أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وجوابه أن المستفاد منها كون مجرد التصديق بالقلب لا يكفي حتى تنصب عليه علامة من الأعمال الظاهرة التي هي مؤازرة الأنصار ومواددتهم.

وبسندي المذكور أولاً إلى الإمام البخاري قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي نسبة لبيع الطيالسة البصري المتوفى سنة عشرين ومائتين، (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج السابق (قال أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عبد الله) بفتح العين فيهما (ابن جبر) بفتح الجيم وإسكان الموحدة الأنصاري المدني، (قال سمعت أنسًا) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر أنس بن مالك (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(آية

<<  <  ج: ص:  >  >>