أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل: صدقني سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل أي في سن بكره، وكان قد نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله ﷺ ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد بن زيد، وحمزة، ومصعب وغيرهم (﴿فمنهم من قضى نحبه﴾) [الأحزاب: ٢٣] أي مات شهيدًا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حيّ من المحدثات لا بدّ له من أن يموت فكأنه نذر لازم في كل رقبة فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره (﴿ومنهم من ينتظر﴾) [الأحزاب: ٢٣]. الشهادة كعثمان وطلحة وسقط قوله: ومنهم من ينتظر لابن عساكر (فألحقناها) أي الآية (في سورتها في المصحف) عملاً بثبوت تواترها عندهم قيل مع شهادة عمر وغيره.
٤٠٥٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] وَقَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري أنه (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي حال كونه (يحدث عن زيد بن ثابت) الأنصاري (﵁) أنه (قال: لما خرج النبي ﷺ إلى) غزوة (أُحد) سنة ثلاث من الهجرة (رجع ناس) من الشوط بين المدينة وأُحد وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين وكانوا ثلث الناس (ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي ﷺ فرقتين فرقة تقول: نقاتلهم) أي المنافقين الراجعين (وفرقة) بالنصب فيهما بدلاً من فرقتين ولأبي ذر فرقة بالرفع فيهما على القطع (تقول: لا نقاتلهم) لأنهم مسلمون (فنزلت) لما اختلفوا (﴿فما لكم في المنافقين فئتين﴾) أي تفرقتم في أمرهم فرفتين (﴿والله أركسهم﴾) ردهم إلى حكم الكفار (﴿بما كسبوا﴾) [النساء: ٨٨] بسبب عصيانهم ومخالفتهم (وقال) النبي ﷺ:
(إنها طيبة تنفي الذنوب) أي تميز وتظهر بالظاء المعجمة أصحاب الذنوب (كما تنفي النار خبث الفضة) وهو ما تلقيه النار من وسخها إذا أذيبت وقوله وقال: إنها الخ هو حديث آخر سبق في آخر الحج كما نبه عليه في الفتح.
[١٨ - باب]
﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢].
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿إذ﴾) أي: واذكر إذ (﴿همت﴾) أي عزمت (﴿طائفتان منكم﴾) حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس (﴿أن تفشلا﴾) أي بأن تجبنا وتصعفا، وكان ﵊ خرج إلى أُحد في ألف والمشركون في ثلاثة آلاف، ووعدهم بالفتح إن صبروا فانخزل ابن أبي بثلث الناس وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فهمّ الحيان باتباعه فعصمهم الله تعالى فمضوا مع رسول الله ﷺ. وعن ابن عباس ﵄ أضمروا أن يرجعوا فعزم الله تعالى لهم على الرشد فثبتوا، والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس وما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية والله تعالى يقول: (﴿والله وليهما﴾) ويجوز أن يراد والله ناصرهما ومتولي أمرهما فما لهما يفشلان ولا يتركان على الله تعالى (﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾) [آل عمران: ١٢٢] أمرهم بأن لا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمرهم إلا إليه، وسقط لأبي ذر وابن عساكر: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقالا: الآية.
٤٠٥١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ ﵁ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ [آل عمران: ١٢٢] بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾.
[الحديث ٤٠٥١ - طرفه في: ٤٥٥٨].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان كذا في الفرع والذي في اليونينية عن ابن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري (﵁) أنه (قال: نزلت هله الآية فينا ﴿إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا﴾ بني سلمة) بكسر اللام من الخزرج (وبني حارثة) بالمثلثة من الأوس (وما أحب أنها لم تنزل) بفتح أوله وكسر ثالثه (والله) أي والحال أن الله تعالى (يقول): ولابن عساكر لقول الله تعالى: (﴿والله وليهما﴾) أي لما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية وأن تلك غير المأخوذ بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سببًا لنزولها.
٤٠٥٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: لَا بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: «أَصَبْتَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا عمرو) هو ابن دينار ولأبي ذر عن عمرو (عن جابر) بن