وإنما خلط لرداءته ففيه دفع توهم من يتوهم أن مثل هذا لا يجوز بيعه لاختلاط جيده برديئه لأن هذا الخلط لا يقدح في البيع لأنه متميز ظاهر فلا يعدّ غشًّا بخلاف خلط اللبن بالماء فإنه لا يظهر، (وكنا نبيع صاعين) من التمر (بصاع) واحد منه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا) تبيعوا (صاعين) من التمر (بصاع) منه (ولا) تبيعوا (درهمين بدرهم) ويدخل في معنى التمر جميع الطعام فلا يجوز في الجنس الواحد منه التفاضل ولا النساء.
وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع، وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة في التجارات.
٢١ - باب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ
(باب ما قيل في اللحام) بياع اللحم (والجزار) الذي ينحر الإبل.
٢٠٨١ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً مِنَ النَّاسِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَأْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ. فَقَالَ: لَا، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ". [الحديث ٢٠٨١ - أطرافه في: ٢٤٥٦، ٥٤٣٤، ٥٤٦١].
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالتوحيد (شقيق) هو ابن سلمة أبو وائل (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري أنه (قال: جاء رجل من الأنصار) لم يعرف اسمه (يكنى) بضم التحتية وسكون الكاف (أبا شعيب) بالجر على الإضافة ووقع في اليونينية ضبطه بالرفع أيضًا (فقال لغلام له قصاب) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة والجرّ صفة لغلام أي جزار، وفي المظالم من وجه آخر عن الأعمش كان له غلام لحام ولم يسم الغلام (اجعل لي طعامًا يكفي خمسة من الناس)، وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم: اصنع لي طعامًا لخمسة نفر (فإني أريد أن أدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (خامس خمسة) ويجوز الرفع بتقدير هو خامس خمسة أي أحدهم، يقال خامس خمسة وخامس أربعة بمعنى قال الله تعالى: {ثاني اثنين} [التوبة: ٤٠] و {ثالث ثلاثة} [المائدة: ٧٣] وفي حديث ابن مسعود: رابع أربعة، ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم. قإل المهلب: إنما صنع طعام خمسة لعلمه أنه عليه الصلاة والسلام سيتبعه من أصحابه غيره، ويحتمل أن أبا شعيب حين رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعرف في وجهه الجوع رأى معه جالسين انتهى.
(فإني قد عرفت في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الجوع فدعاهم) بعد أن صنع الطعام وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم والترمذي فدعاه وجلساءه الذين معه وكأنهم كانوا أربعة وهو عليه الصلاة والسلام خامسهم، (فجاء معهم رجل) سادس لم يسم أيضًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأبي شعيب الأنصاري.
(إن هذا) الرجل (قد تبعنا) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وفي رواية أبي عوانة وجرير اتبعنا
بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا (فإن شئت أن تأذن له) في الدخول (فأذن له) وسقط قوله فأذن له في رواية أبي ذر وابن عساكر (وإن شئت أن يرجع رجع فقال) ولأبي الوقت قال (لا) يرجع (بل قد أذنت له) زاد في رواية جرير: يا رسول الله. ولفظ رواية أبي معاوية: فقد أذنا له فليدخل، وإنما توقف عليه الصلاة والسلام عن إذنه لهذا الرجل السادس بخلاف طعام أبي طلحة لأن الداعي في هذه القصة حصر العدد بقصده أوّلاً حيث قال: طعام خمسة مع أن له عليه الصلاة والسلام التصرف في مال كلٍّ من الأمة بغير حضوره بغير رضاه لكنه لم يفعل ذلك إلا بالإذن تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا لأمّته، وفيه أن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه، وأن من قصد التطفل لم يمنع ابتداء لأن الرجل تبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يردّه لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالإذن له وأن الطفيلي يأكل حرامًا، وقد روى أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "من مشى إلى الطعام لم يدع إليه مشى فاسقًا وأكل حرامًا ودخل سارقًا وخرج مغيرًا" وللخطيب البغدادي في أخبار الطفيليين جزء فيه فوائد يأتي منها في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى طائفة مع بقية المباحث.
وفي حديث الباب علم من أعلام النبوة فإن الأنصاري لم يقل لغلامه طعام خمسة بحضرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأطلع الله تعالى نبيّه على أنه حجر الدعوة