عباس) -رضي الله عنهما- (ما قوله) أي ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام (لا يبيع) بالرفع (حاضر لباد قال: لا يكون له سمسارًا) بكسر المهملة الأولى وبينهما ميم ساكنة أي دلالاً.
واستنبط المؤلّف منه تخصيص النهي عن بيع الحاضر للبادي إذا كان بالأجر وقوّى ذلك بعموم حديث النصح لكل مسلم وخصّه الحنفية بزمن القحط لأن فيه إضرارًا بأهل البلد فلا يكره زمن الرخص وتمسكوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة" وزعموا أنه ناسخ لحديث النهي، وحمل الجمهور حديث الدين النصيحة على عمومه إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص يقضي على العام، وصورة بيع الحاضر للبادي عند الشافعية والحنابلة أن يمنع الحاضر البادي من بيع متاعه بأن يأمره بتركه عنده ليبيعه له على التدريج بثمن غال والمبيع مما تعم حاجة أهل البلد إليه فلو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه إلا نادرًا أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله الحاضر أن يفوّضه إليه أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الإضرار به، ولو قال البدوي للحاضر ابتداء أتركه
عندك لتبيعه بالتدريج لم يحرم أيضًا وجعل المالكية البداوة قيدًا فجعلوا الحكم منوطًا بالبادي ومن شاركه في معناه لكونه الغالب فألحق به من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر فإضرار أهل البلد بالإشارة عليه بأن لا يبادر بالبيع وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه. قال فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك ولا يبطل البيع عند الشافعية وإن كان محرمًا لرجوع النهي فيه إلى معنى يقترن به لا إلى ذاته. وقال المالكية: إن باع حاضر لعمودي فسخ البيع وأدب الحاضر البائع للعمودي وهو المشهور وهو قول مالك وابن القاسم وأصبغ. وقال الحنابلة: لا يصح بيع حاضر لبادٍ بشروطه وهي خمسة أن يحضر البادي ليبيع سلعة بسعر يومها جاهلاً بسعرها ويقصده الحاضر ويكون بالمسلمين حاجة إليها في اجتماع هذه الشروط يحرم البيع ويبطل على المذهب فإن اختل منها شرط صح البيع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب انتهى ولو استشار البدوي الحاضر فيما فيه حظه ففي وجوب إرشاده إلى الادّخار والبيع بالتدريج وجهان أحدهما نعم بذلاً للنصيحة والثاني لا توسيعًا على الناس. قال الأذرعي: والأول أشبه.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الإجارة، ومسلم وأبو داود في البيوع، والنسائي وابن ماجة في التجارات.
٦٩ - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ
(باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر).
٢١٥٩ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
- وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشدّدة وبعد الألف حاء مهملة وفي نسخة ابن الصباح بزيادة الألف واللام العطار البصري قال: (حدّثنا أبو علي) عبيد الله بالتصغير ابن عبد المجيد (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) صدوق في حديثه ضعف لكن حدّث عنه يحيى القطان وتكفيه رواية يحيى عنه، واحتج به البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن دينار العدوي مولاهم المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيع حاضر لبادٍ وبه) أي بقول: من كره بيع الحاضر للبادي. (قال ابن عباس) حيث فسر ذلك بالسمسار كما في حديثه السابق فهو مقيد لإطلاق حديث ابن عمر.
٧٠ - باب لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهْيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ.
هذا (باب) بالتنوين (لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة) بمهملتين وجمعه سماسرة وهو القيم بالأمر الحافظ له ثم غلب استعماله فيمن يدخل بين البائع والمشتري في ذلك ولكن المراد به هنا أخص من ذلك وهو أن يدخل بين البائع البادي والمشتري الحاضر أو عكسه والسمسرة: البيع والشراء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا يشتري بدل قوله لا يبيع فيكون قياسًا على البيع أو استعمالاً للفظ البيع في البيع والشراء.