قال ابن حجر آخر العشر والله يعلم وأنتم لا تعلمون. اهـ.
وأقول بل هي تسعة ولعله عد قوله: ﴿لهم عذاب أليم﴾ رأس آية وليس كذلك بل تشبه فاصلة وليس بفاصلة كما نص عليه غير واحد من العادّين وحينئذٍ فآخر العشر ﴿رؤوف رحيم﴾ وفي رواية عطاء الخراساني عن الزهري فأنزل الله ﴿إن الذين جاؤوا بالإفك﴾ -إلى قوله- ﴿أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ وقول ابن حجر أن عدد الآي إلى هذا الموضع ثلاث عشرة آية فلعل في قولها العشر الآيات مجازًا بطريق إلغاء الكسر بناه على عد أليم كما مر فالصواب أنها اثنتا عشر. اهـ.
فتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها نفسها حيث قالت ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي الخ فهذه صدّيقة الأمة تعلم أنها بريئة مظلومة وأن قاذفيها ظالمون لها مفترون عليها وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لنفسها فما ظنك بمن صام يومًا أو يومين أو شهرًا أو شهرين أو قام ليلة أو ليلتين فظهر عليه شيء من الأحوال فلوحظ باستحقاق الكرامات والمكاشفات وإجابة الدعوات وأنه ممن يترك بلقائه ويغتنم صالح دعائه ويتمسح بأثوابه ويقبل ثرى أعتابه فعجب من جهله بنفسه وغفل عن جرمه واغتر بإمهال الله عليه، فينبغي للعبد أن يستعيذ الله أن يكون عند نفسه عظيمًا وهو عند الله حقير وسقط لا تحسبوه لأبي ذر.
(فلما أنزل الله) تعالى (هذا في براءتي) وأقيم الحد على من أقيم عليه (قال أبو بكر الصديق ﵁: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه) كان ابن خالته (وفقره) أي لأجلهما
والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال: فأنزل الله (﴿ولا يأتل﴾) لا يحلف (﴿أولو الفضل منكم﴾) في الدين أبو بكر (﴿والسعة﴾) في المال (﴿أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله﴾)، صفات لموصوف واحد وهو مسطح لأنه كان مسكينًا مهاجرًا بدريًا (﴿وليعفوا وليصفحوا﴾) عنهم خوضهم في أمر عائشة (﴿ألا تحبون﴾) خطاب لأبي بكر (﴿أن يغفر الله لكم﴾) على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم (﴿والله غفور رحيم) فتخلقوا بأخلاقه تعالى (قال أبو بكر) لما قرأ عليه النبي ﷺ هذه الآية (بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع) بالتخفيف (إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه) قبل (وقال والله لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة وكان رسول الله ﷺ يسأل) بصيغة المضارع ولأبي ذر سأل بصيغة الماضي (زينب ابنة جحش) أم المؤمنين ﵂(عن أمري فقال يا زينب ماذا علمت) على عائشة (أو رأيت) منها (فقالت) ولأبي ذر وقالت (يا رسول الله أحمي) بفتح الهمزة (سمعي) من أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من أن أقول أبصرت ولم أبصر (ما علمت) عليها (إلا خيرًا قالت) عائشة (وهي) أي زينب (التي كانت تساميني من أزواج رسول الله ﷺ) بضم الفوقية وبالمهملة من السموّ وهو العلوّ والارتفاع أي تطلب من العلوّ والارتفاع والحظوة عند النبي ﷺ ما أطلب أو تعتقد أن لها مثل الذي لي عنده (فعصمها الله) أي حفظها (بالورع) أن تقول يقول أهل الإفك (وطفقت) بكسر الفاء جعلت أو شرعت (أختها حمنة) بفتح الحاء المهملة وبعد الميم الساكنة نون مفتوحة فهاء تأنيث (تحارب لها) أي لأختها زينب وتحكي مقالة أهل الإفك لتخفض منزلة عائشة وتعلي منزلة أختها زينب (فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) فحدّت فيمن حُدَّ أو أثمت مع من أثم.
هذا (باب قوله) تعالى: (﴿ولولا فضل الله عليكم﴾) لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره أي لولا فضل الله عليكم أيها الخائضون في شأن عائشة (﴿ورحمته في الدنيا﴾) بأنواع النعم التي من جملتها قبول توبتكم وإنابتكم إليه (﴿والآخرة﴾) بالعفو والمغفرة (﴿لمسلم﴾) عاجلًا (﴿فيما أفضتم﴾) أي خضتم (﴿فيه﴾) من قضية الإفك (﴿عذاب عظيم﴾)[النور: ١٤].