للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعقب بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا فلا تغاير، وحينئذ فيكون عطف تفسير. (ثم أدخل يده) بالإفراد في التور (فغسل وجهه ثلاثًا) وليس فيه ذكر اشتراط نية الاغتراف من الماء القليل (ثم غسل يديه) كل واحدة (مرتين إلى المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء العظم الناتئ في الذراع "وإلى" بمعنى "مع" أي مع المرفقين (ثم أدخل يده) بالإفراد في الإناء (فمسح رأسه) كله ندبًا بيديه (فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه إلى الكعبين) أي معهما وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، وقال مالك الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب.

٤٠ - باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ

وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا بِفَضْلِ سِوَاكِه.

(باب استعمال فضل وضوء الناس) أي استعمال فضل الماء الذي يبقى في الإناء بعد الفراغ من الوضوء في التطهير وغيره كالشرب والعجين والطبخ، أو المراد ما استعمل في فرض الطهارة عن الحدث وهو ما لا بدّ منه أثم بتركه أولاً كالغسلة الأولى فيه من المكلف أو من الصبي لأنه لا بدّ لصحة صلاته من وضوئه، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه طاهر غير طهور لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يجمعوا المستعمل في أسفارهم القليلة الماء ليتطهروا به بل عدلوا عنه إلى التيمم، وفي القديم وهو مذهب مالك أنه طاهر طهور وهو قول النخعي والحسن والبصري والزهري والثوري لوصف الماء في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] المقتضي تكرار الطهارة به كضروب لمن يتكرر منه الضرب. وأجيب: بتكرر الطهارة به فيما يتردّد على المحل دون المنفصل جمعًا بين الدليلين، وعن أبي حنيفة في رواية أبي يوسف أنه نجس مخفف، وفي رواية الحسن بزيادة عنه نجس مغلظ، وفي رواية محمد بن الحسن وزفر طاهر غير طهور وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية، واختاره المحققون من مشايخ ما وراء النهر، وقال في المفيد: إنه الصحيح والأصح أن المستعمل في نفل الطهارة طهور على الجديد.

(وأمر جرير بن عبد الله) فيما وصله ابن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه (أهله أن يتوضؤوا بفضل سواكه) وفي بعض طرقه كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم يقول لأهله: توضؤوا بفضله لا نرى به بأسًا، وتعقب العيني المؤلف بأنه لا مطابقة بين الترجمة وهذا الأثر لأن الترجمة في استعمال فضل الماء الذي يفضل من المتوضئ، وهذا الأثر هو الوضوء بفضل السواك. وأجيب بأنه ثبت أن السواك مطهرة للفم فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهارة، أو يقال: إن المراد من فضل السواك هو الماء الذي في الظرف والمتوضئ يتوضأ منه وبعد فراغه من تسوّكه عقب فراغه من المضمضة يرمي السواك الملوّث بالماء المستعمل فيه.

١٨٧ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. [الحديث ١٨٧ - أطرافه في: ٣٧٦، ٤٩٥، ٤٩٩، ٥٠١، ٦٣٣، ٦٣٤، ٣٥٥٣، ٣٥٦٦، ٥٧٨٦، ٥٨٥٩].

وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة التابعي الصغير الكوفي (قال: سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وبالفاء وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة والمدّ الثقفي الكوفي رضي الله عنه، توفي سنة أربع وسبعين، له في البخاري سبعة أحاديث حال كونه (يقول):

(خرج علينا رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة) أي في وسط النهار عند شدة الحر في سفر، وفي رواية أن خروجه كان من قبة حمراء من أدم بالأبطح بمكة (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء (بوضوء) بفتح الواو أي بماء يتوضأ به (فتوضأ) منه (فجعل الناس يأخذون) في محل نصب خبر جعل الذي هو من أفعال المقاربة (من فضل وضوئه) عليه الصلاة والسلام بفتح الواو والماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء وكأنهم اقتسموه أو كانوا يتناولون ما سال من أعضاء وضوئه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيتمسحون به) تبركًا به لكونه مسّ جسده الشريف المقدس، وفي ذلك دلالة بيِّنة على طهارة الماء الستعمل، وعلى القول بأن الماء المأخوذ ما فضل في الإناء بعد فراغه عليه الصلاة والسلام فالماء طاهر مع ما حصل له من

<<  <  ج: ص:  >  >>