الغرض حاصل مع بقاء التعظيم وإن حلف على ترك مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب سن ترك حنثه لما فيه من تعظيم اسم الله نعم إن تعلق بتركه أو عله غرض ديني كأن حلف أن لا يمس طيبًا ولا
يلبس ناعمًا فقيل: يمين مكروهة، وقيل: يمين طاعة اتباعًا للسلف في خشونة العيش، وقيل: يختلف باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم. قال الرافعي والنووي: وهو الأصوب وإذا حلف على ترك مندوب كسنة ظهر أو فعل مكروه كالالتفات في الصلاة سنّ حنثه وعليه الكفارة أو على فعل مندوب أو ترك مكروه كره حنثه وعليه بالحنث كفارة.
ومناسبة الحديث لما ترجم له في قوله: لأن يلج الخ، وقوله: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة طرف من حديث سبق من غير هذا الوجه عن أبي هريرة في أول كتاب الجمعة، وقد كرر البخاري هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه وهو أول حديث في النسخة، وكان همام يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
٦٦٢٦ - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَلَجَّ فِى أَهْلِهِ بِيَمِينٍ، فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْمًا لِيَبَرَّ» يَعْنِى الْكَفَّارَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق يعني ابن إبراهيم) وسقط لأبي ذر يعني ابن إبراهيم: وقال في الفتح: جزم أبو علي الغساني بأنه ابن منصور وصنيع أبي نعيم في مستخرجه يقتضي أنه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله. وقال العيني: وأما النسخة التي فيها يعني ابن إبراهيم فما أزالت الإبهام لأن في مشايخ البخاري إسحاق بن إبراهيم بن نصر وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن وإسحاق بن إبراهيم الصوّاف وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه فالصواب أنه ابن منصور قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء مشالة معجمة، وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في كتاب الحج وغيره قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام الحبشي الأسود (عن يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من استلج) بسين مهملة ساكنة ففوقية ثم لام مفتوحتين ثم جيم مشدّدة استفعل من اللجاج أي من استدام (في أهله بيمين) حلفه في أمر يتعلق بهم يضرهم به (فهو) أي استدامته على اليمين مع تضرر أهله (أعظم إثمًا) من حنثه (ليبر) بكسر اللام وفتح التحتية بعدها موحدة فراء مشددة واللام للأمر بلفظ أمر الغائب من البرّ أي ليترك اللجاج ويفعل المحلوف عليه ويبر (يعني) بالبر (الكفارة) عن اليمين الذي حلفه ويفعل المحلوف عليه إذ الإضرار بالأهل أعظم إثمًا من حنث اليمين، وذكر الأهل في الحديثين خرج مخرج الغالب وإلاّ فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليس بفتح اللام وسكون التحتية بعدها سين مهملة تغني الكفارة بضم الفوقية وسكون الغين المعجمة بعدها نون مكسورة، والكفارة رفع أي أن الكفارة لا تغني عن ذلك وهو خلاف المراد، فالأولى أوضح. وقيل في توجيه هذه الأخيرة أن المفضل عليه
محذوف، والمعنى أن الاستلجاج أعظم إثمًا من الحنث، والجملة استئنافية، المراد أن ذلك الإثم لا تغني عنه كفارة. وقال ابن حزم: لا جائز أن يحمل على اليمين الغموس لأن الحالف بها لا يسمى مستلجًا في أهله بل صورته أن يحلف أن يحسن إلى أهله ولا يضرهم، ثم يريد أن يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم، ومعنى قوله لا تغني الكفارة أن الكفارة لا تحبط عنه إثم إساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه، وإنما هي متعلقة باليمين التي حلفها. قال ابن الجوزي: قوله ليس تغني الكفارة كأنه أشار به إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر ولا يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد.
٢ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَايْمُ اللَّهِ»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في يمينه (وايم الله) من ألفاظ القسم كقوله لعمر الله وعهد الله وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو لازم لي وفيها لغات كثيرة