(وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) منها (أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) أي لا أحلف على موجب يمين لأن اليمين توجبه والموجب هو الذي انعقد عليه الحلف وخبر إن جملة لا أحلف وجواب القسم محذوف سد مسد خبر إن، ويحتمل أن يكون لا أحلف جواب القسم، وخبر إن القسم، وجوابه إن شاء الله جملة معترضة لا محل لها وقدم استثناء المشيئة وكان موضعه عقب جواب القسم، وذلك أن جواب القسم جاء بلا وعقبه الاستثناء بإلاّ فلو تأخر استثناء المشيئة حتى يجيء الكلام والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير إن شاء الله لاحتمل أن يرجع إلى قوله أتيت أو إلى قوله هو خير، فلما قدّمه انتفى هذا التخيل، وأيضًا ففي تقديمه اهتمام به لأنه استثناء مأمور به شرعًا، وينبغي أن يبادر بالمأمور به والتعليق بالمشيئة هنا الظاهر أنه للتبرك، وإلاّ فحقيقته ترفع القسم المقصود هنا لتأكيد الحكم وتقرير وهل يحكم على اليمين المقيدة بتعليق المشيئة إذا قصد بها التعليق أنها منعقدة أو لم تنعقد أصلاً فيه خلاف لأصحابنا. وقوله: أو أتيت إما شك من الراوي في تقديم أتيت على كفرت والعكس، وإما تنويع من الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في كفارات الأيمان، وسبق مطوّلاً في كتاب الخمس، وأخرجه مسلم في الأيمان وكذا أبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات.
٦٦٢٤ - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه أو هو ابن نصر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام بن منبه) الصنعاني أنه (قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- ولأبي ذر به أبو هريرة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نحن الآخرون) المتأخرون وجودًا في الدنيا (السابقون) الأمم (يوم القيامة) حسابًا ودخولاً للجنة.
٦٦٢٥ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِى أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِىَ كَفَّارَتَهُ الَّتِى افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
(فقال) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله لأن) بفتح اللام وهي لتأكيد القسم (يلج) بفتح التحتية واللام والجيم المشددة من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا أي لأن يتمادى (أحدكم بيمينه) الذي حلفه (في) أمر بسبب (أهله) وهم يتضررون بعدم حنثه ولم يكن معصية (آثم له) بفتح الهمزة الممدودة والمثلثة أشد إثمًا للحالف المتمادي (عند الله من أن) يحنث و (يعطي كفارته التي افترضـ) ـها (الله) عز وجل (عليه) فينبغي له أن يحنث ويفعل ذلك ويكفر فإن تورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم أخطأ بإدامة الضرر على أهله لأن الإثم في اللجاج أكثر منه في الحنث على زعمه أو توهمه.
وقال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبدائعه، ووجهه أنه إنما تحرجوا من الحنث والحلف بعد الوعد المؤكد باليمين، وكان القياس يقتضي أن يقال لجاج أحدكم آثم له من الحنث، ولكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عن ذلك إلى ما هو لازم الحنث وهو الكفارة لأن المقابلة بينها وبين اللجاج أفحم للخصم وأدل على سوء نظر المتنطع الذي اعتقد أنه تحرج من الإِثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة والإحسان وكلها تجتمع في الكفارة ولهذا عظم شأنها بقوله التي افترض الله عليه، وإذا صح أن الكفارة خير له ومن لوازمها الحنث صح أن الحنث خير له، ولأن يلج أحدكم بيمينه في أهله أي لأن يصمم أحدكم في قطيعة أهله ورحمة بسبب يمينه التي حلفها على ترك برهم آثم له عند الله من كذا انتهى.
وفي هذا الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على ارتكاب معصية كترك واجب عيني وفعل حرام عصى بحلفه ولزمه حنث وكفارة إذا لم يكن له طريق سواه، وإلاّ فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقًا بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن